معالي رئيس الجامعة يلقي الكلمة التاريخية في مؤتمر القدس: التاريخ، والهوية، والمكانة المقام في جامعة دار السلام كونتور بإندونيسيا

  ألقى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد كلمة ضافية شاملة في مؤتمر العالمي عن القدس: التاريخ، والهوية، والمكانة.. المقام في جامعة دار السلام كونتور بإندونيسيا بتعاون وشراكة معهد إقبال الدولي للحوار والدراسات التابع للجامعة الإسلامية العالمية..

وقد افتتح معاليه كلمته بالحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى وبالصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم..

ثم قدم شكره وتقديره أصالةً عن نفسه ونيابة عن إخوانه منسوبي الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد لسعادة رئيس جامعة دار السلام كونتور الأستاذ الدكتور أمل فتح الله زركشي وجميع إخوانه على تنظيم وترتيب هذا المؤتمر المهم في موضوعه ومكانه والذي هو بعنوان: القدس التاريخ والهوية والمكانة.. فمكانه بلد المسلمين الكبير وبلد الخير وبلد السماحة واليسر والوسطية والاعتدال إندونيسيا.. وخاصة جامعة دار السلام كونتور الاسم على المسمى الجامعة التي تشع نورا وسلاما وهدى..

كما بين معاليه: أن هذا المؤتمر المهم يأتي انعقاده في وقت وأمتنا الإسلامية تمر بمرحلة دقيقة من مراحلها التاريخية، تواجه فيها تحديات جسيمة، ومتاعب شتى، وفتن متلاحقة، وشعور بالقلق، تزكيها قوى متربصة بالأمة الإسلامية، لا تريد لها خيراً أو فلاحاً أو تقدماً أو نمواً أو استقراراً أو أمناً..

ومن هذه التحديات بل من أبرزها وأهمها وأوضحها قضية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك.. والإبقاء على ذاكرة الأمة في وعيها الكامل بمكانة القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك.. وغرس هذه القضية في نفوس ووجدان الناشئة من الشباب والشابات من البنين والبنات كما كانت مغروسة في نفوس ووجدان أسلافنا من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.. فالقدس أكبر من أن يحويه مؤتمر في بضع ساعات، فهو يضرب في أعماق التاريخ بجذور عميقة في بقعة مباركة مقدسة ، فالمسجد الأقصى هو الاسم الإسلامي لتلك البقعة المباركة من أرض فلسطين، وهو مسجد قديم بقدم البشرية..

مبناً معاليه مكانة المسجد الأقصى المبارك حيث قال: إن المسجد الأقصى من أعظم المساجد حرمة، إنه المسجد الذي أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ليعرج من هناك إلى السماوات العلى إلى الله عز وجل..

إنه لثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده..

إنه لثالث المساجد المعظمة في الإسلام التي تشد الرحال إليها لطاعة الله وطلب المزيد من فضله وكرمه..

إنه المسجد الذي بناه يعقوب عليه السلام في الأرض المقدسة المباركة مقر أبي الأنبياء إبراهيم مقر إسحاق ويعقوب –عليهم السلام-..

مشيراً معاليه في كلمته لتاريخ القدس الشريف التليد حيث بقي القدس الشريف بيد النصارى من الروم من قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو (300) سنة حتى أنقذه الله من أيديهم بالفتح الإسلامي على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الخامسة عشرة من الهجرة، حيث كان من آخر المعاقل التي تحصن فيها الروم وحرصوا على بقائها في أيديهم، لمِا لها من القداسة في النفوس، وجاء عمر رضي الله عنه الى القدس بنفسه، بناءً على رغبة أهل القدس المحاصرين ليكتب لهم العهد، ويتسلم مفاتح القدس.. ومجيء عمر لاستلام القدس له دلالة على منزلته في نفوس المسلمين.. فضلاً عن حرص الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- على تحقيق الأمن والسلم والوفاء بالعقود والعهود واحترام الآخر والتعايش السلمي وفق أحكام الإسلام..

مشدداً معاليه على الحالة التي عليها الآن القدس الشريف حيث قال: ها نحن نرى اليوم التاريخ يعيد نفسه بيد شرذمة قليلة من الصهاينة الغاصبين الظالمين الفاسدين في الأرض اليهود دولة إسرائيل الغاصبة الظالمة تعتدي على قدسنا الشريف وتدنسها بنقل العاصمة لها بتأييد من الدول التي تدعي الحرية والتعددية والديمقراطية المزيفة.. مع علمنا اليقين وتأكيدنا الجازم بأن القدس ليس ملكاً لأحد حتى يتم تسليمه بيده لأحد بل القدس ملك لجميع المسلمين.. وبخاصة لإخواننا المضطهدين من أهل فلسطين العزيز..

ذاكراً معاليه في كلمته واجب المسلمين تجاه القدس الشريقف: هو تحرير القدس الشريف وكل شبر محتل من أرض المسلمين وإعادته إلى ‏حظيرة الإسلام والمسلمين لإعلاء كلمة الله فيه، وتطبيق شرعه في ملكه… وأن تحريره ليس مسؤولية دولة واحدة ولا مملكة واحدة بل هي مسؤولية جميع المسلمين في الأنحاء المعمورة.. فلا بد من توحد المسلمين حكومات وشعوبا في صف ‏واحد، ونبذ الخلافات الداخلية والخارجية، وتقديم المصالح العليا على المصالح الخاصة، والعمل على استقلالهم في ‏مواردهم وسياساتهم، وتوعية المسلمين بواجبهم تجاه الأقصى الأسير.. وذلك بعودة الأمة عودة صادقة إلى دينها وشرع ربها أفرادا، ومجتمعات، ودولا وحكومات كما قال ‏النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ :«يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» ، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ ‏قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، ‏وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ» ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» رواه ‏أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

ولهذه المنزلة العظيمة للقدس الشريف وللمسجد الأقصى عند الله -عز وجل- وللتاريخ العريق الممتد مع أنبياء الله، فإن المؤمنين الصادقين يبذلون الغالي والنفيس لحمايته ويفدونه بالغالي والنفيس، ويقدمون في سبيل ذلك أرواحهم ودمائهم بكل رضا وتضحية دفاعاً عنه وإثباتاً لقدسيته ومكانته..

والتاريخ البعيد والقريب يؤكد أهمية بيت المقدس والأقصى في وجدان كل مسلم، وما ينبغي له من الحفاظ على هذه الأرض المقدسة وحمايتها من أطماع الدخلاء وأعداء الدين من الصهاينة المعتدين وغيرهم.. فرغم أسر الأقصى 90 عام من قبل الصليبيين، إلا أن المسلمين لم يقفوا متفرجين، بل هبوا يقاومون ضعفهم وتفرقهم وجهلهم، وجعلوا تحريره غايتهم..

وفي عصرنا الحاضر لا زال القدس الشريف هو الخط الأحمر الذي لا يرضى المسلمون ولا الفلسطينيون أن يعتدي عليه اليهود.. وما نشاهده اليوم من جهود مباركة وبطولات لأهل بيت المقدس لرد اعتداءات المستوطنين الوحشية، لهو أكبر دليل على حياة الأمة وعافيتها من جهة، وعلى أن الدفاع عن القدس هو سبيل وطريق العزة والمجد لأمة الإسلام في الدنيا والآخرة..

مشدداً معاليه في كلمته على إسلامية وعربية القدس الشريف حيث قال: ومن خلال هذا التاريخ الأصيل للقدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك يتبين لكل منصف صاحب عقل رشيد إسلامية القدس، وأن المسلمين هم الذين خلّصوها من أيدي الروم الطغاة، الذين تداولوها مع الفرس والرومان وغيرهم، ولم يكن اليهود إلا تابعين لهؤلاء أو أولئك، ولقد أثبت التاريخ أن اليهود لم يعرفوا الاستقرار طوال تاريخهم لأنهم لم يكونوا قوة في يوم من الأيام لا في الشرق ولا في الغرب، بل يعملون بالتجارة التي من سمات من يعمل بها التنقل والترحال، لذلك لم يكن اليهود عبر التاريخ أصحاب حضارة ولا دولة فاعتمدوا على أحد أمرين: إما الادعاء الكاذب من أجل تحقيق ما يطمحون إليه، وإما بالقوة الغاشمة وتأييد ممن لا يملك لمن لا يستحق. ولذا نجد ادعاء اليهود أن لهم حقاً تاريخياً ودينياً في ببيت المقدس، والتاريخ يثبت أن دعواهم هذه باطلة؛ لما ذكرنا من تاريخ المسجد الأقصى المبارك.. وكذلك من حيث التاريخ فإن هناك أقواما أخرى سبقتهم في العيش في فلسطين كالفينيقيين وغيرهم..

مشيراً معاليه إلى أهمية إقامة المؤتمرات  والندوات عن القدس الشريف: إن إقامة هذا المؤتمر المبارك القدس التاريخ والهوية والمكانة من جامعة دار السلام كونتور وبتعاون وشراكة معهد إقبال الدولي للحوار والدراسات التابع للجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد هو امتداد للندوات والمؤتمرات التي عقدتها جامعتنا العريقة والتي أشرف برئاستها منذ 2012م وحتى الآن.. وعمل بتوصيات ونتائج الندوة الدولية التي أقامتها الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد بعنوان: (القدس الشريف: التاريخ، والمكانة، والسيادة.. وجهود المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية في نصرة قضية فلسطين).. حيث من ثوابت الجامعة الإسلامية العالمية العريقة ومن أهدافها ورسالتها نصرة قضايا المسلمين.. والوقوف معهم ومع قضاياهم العادلة، واحترامهم والتنديد بأي اعتداء عليهم أياً كان نوعه ومصدره ومبرراته.. ووجوب رفع الظلم عنهم.. وأخص إخواننا في فلسطين الحبيبة التي نقف معها قلباً وقالباً ونشجب ونستنكر كل من يسيء إلى هذه الدولة الحبيبة وأهلها في الداخل والخارج.. التي مكانها في قلوبنا كيف لا وهي تحتضن المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تحدثنا قبل قليل عن شيء من فضائله وتاريخه الإسلامي المجيد..

كما أشار معاليه في كلمته إلى جهود المملكة العربية السعودية سلفاً وخلفاً في الدفاع ونصرة القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للفلسطنيين حيث قال: وهنا يجدر بنا إشارة سريعة لجهود المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً في نصرة قضية فلسطين وأن جهودها من الثوابت الرئيسية لسياسة المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك الحازم الجازم سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ أيده الله ـ حيث قامت المملكة بدعم ومساندة القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها وعلى جميع الأصعدة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) وذلك من منطلق إيمانها الصادق بأن ما تقوم به من جهود تجاه القضية الفلسطينية إنما هو واجب يمليه عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها لأمتها العربية والإسلامية..

ولست أدل على ذلك من تلك الرسالة التي بعث بها السفير الأمريكي في السعودية آنذاك للرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945م يقول فيها: (الملك عبد العزيز يرفض تهويد فلسطين ويقول إنه يشرفه الموت في ساحة المعركة وهو بطل لعرب فلسطين) وهذه الوثيقة مسجلة رسمياً بأرشيف وزارة الخارجية الأمريكية ولم يكتف جلالته ـ رحمه الله ـبالدعم المالي بل دعمها بالرجال حتى إنه استشهد من الجيش السعودي المشارك في معركة الكرامة عام 1948م خمسين شهيداً . .

فلا يمكن لأحد أن يزايد على وفاء المملكة العربية السعودية لفلسطين أو للقضية الفلسطينية فهي قضية المسلمين الأولى كما أنها قضية المملكة . .

فقد بادر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ بالاتصال بالرئيس الأمريكي (ترامب) وبين له الآثار السلبية على قراره في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها . . وتابع هذا في تصريحاته وإدانته ـ أيده الله ـ لهذا التصرف وعمل جاهداً على كافة الأصعدة والمستويات والمنظمات والهيئات هو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدا لعزيز ـ حفظه الله ـ ومعالي وزير الخارجية على العدول عن هذا القرار وإعادة الأمور إلى نصابها والحفاظ على القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

وإن كنا ننسى فلا ننسى أن المملكة العربية السعودية هي من تبني القضية الفلسطينية لدى المنظمات والهيئات العربية والإسلامية الدولية في الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي وغيره . .

ناهيك عن مساعدات المملكة التي لم تقف للشعب الفلسطيني فلقد وفت المملكة العربية السعودية أيدها الله بكل التزاماتها تجاه فلسطين وشعبها بلا ضجيج إعلامي، وبلا خطابات زائفة.

حيث بلغ الدعم السعودي لفلسطين خلال خمس سنوات فقط (511) مليون دولار . .

مشيراً معاليه إلى الحل الجذري لهذه القضية المهمة حيث قال: ومن هذا المقام نؤكد أنه لا حل جذري ونهائي لهذه القضية إلا بوحدة المسلمين وتكاتفهم وتعاونهم ونبذ الفرقة والخلاف فيما بينهم . . وعودتهم إلى ربهم ـ عز وجل ـ واستبدال ما هم عليه من تقصير في جانب الله إلى الاعتصام بالكتاب والسنة وتطبيق أوامر الله شرعه وأحكام الإسلام قولاً وعملاً ومعتقداً . .

وفي نهاية كلمته كرر معاليه شكره وتقديره لجميع الحاضرين والحاضرات وللمنظمين والمنظمات لهذا المؤتمر المهم..

وقد أشاد الحاضرون بكلمة معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية البروفيسور/ أحمد الدريويش في المؤتمر وقدموا شكرهم وتقديرهم الخاص المقرون بالدعاء لما يبذله معاليه من جهود مباركة موفقة في خدمة الإسلام والمسلمين وفي خدمة العلم وأهله.. ولجهوده في تحقيق رسالة وأهداف الجامعة الإسلامية العالمية والرقي بها ووصولها إلى مصاف الجامعات العالمية الرائدة العريقة..