معالي رئيس الجامعة يلقي خطبة الجمعة في جامع الملك فيصل ـ رحمه الله ـ في إسلام آباد

ألقى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش خطبة الجمعة بمسجد الملك فيصل ـ يرحمه الله ـ يوم الجمعة 9/فبراير/2018م..

وفي بداية خطبته أوصى معالي رئيس الجامعة الحاضرين بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن وبالتمسك بصراط الله المستقيم وباتباع سنة سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم..

ثم تواصل معاليه الكلام عن ملامح غزوة بدر الكبرى حيث قرأ معاليه على مسامع الحاضرين الآيات الواردة في القرآن الكريم بهذا الصدد فقال الله سبحانه وتعالى: ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)). (14).

وبعد الانتهاء من قراءة الآيات أضاف معاليه: بأن هذه الآيات الكريمات تتحدث عن واقعة وعن حدث ليس كأي واقعة أو حدث بل تتحدث عن واقعة حاسمة بين الكفر والإيمان فارقة بين جند الله عز وجل وبين جند الشيطان.. تتحدث عن غزوة وقعت بين الإسلام والكفر ألا وهي غزوة بدر الكبرى والتي تعتبر أولى المعارك التي تلاقى فيها جيش المسلمين بجيش الكفار..

ذاكراً معاليه سبب وقوع غزوة بدر الكبرى حيث قال: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- ندب أصحابه للتعرض لقافلة قريش العائدة من الشام إلى مكة، ولم يكن يريد قتالاً، ولكن القافلة التي كان يقودها أبو سفيان نجت بعد أن كان أرسل إلى قريش يستنفرها لحماية القافلة، فخرجت قريش في نحوٍ من ألف مقاتل..

وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال: حدثني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: لما كان يوم بدر نظر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أصحابه، وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – القبلة، ثم مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا، قال: فما زال يستغيث ربه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا رسول الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله – عز وجل -: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) فلما كان يومئذ والتقوا، فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا واستشار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبا بكر وعليا وعمر فقال أبو بكر: يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم، فهوى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء..)..

كما ذكر معاليه في خطبته الدروس والعبر عن غزوة بدر الكبرى حيث قال: إن التفكر والتدبر في أمجاد الماضي التليد، ليس فقط للقيل والقال ولكنها مدرسة تتلقى في حلبتها الأجيال المؤمنة القادمة دروسا وعبراً ومن الدروس والعبر التي نلتمس معالمها من خلال هذه الغزوة المباركة غزوة بدر الكبرى التي تتحدث عنها هذه الآيات المباركة ومن أبرزها:

التأكيد على مبدأ الشورى في الإسلام وذلك حينما انطلق جيش المسلمين لمواجهة الكفار، نزل النبي عليه الصلاة والسلام موقعاً أدنى ما يكون إلى بدر، فاستفسر الصحابي الجليل الحباب بن المنذر من النبي عليه الصلاة والسلام عن اختياره لهذا المكان إن كان أمراً من الله تعالى أم الحرب والمكيدة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بل الحرب والمكيدة، فأشار الحباب على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم برأي أعجبه واستحسنه.. إن أبرز ما جاءت به غزوة بدر في شقها التنظيمي هو التأكيد على مبدأ الشورى، باعتبارها مبدأً من مبادئ الشريعة وأصلاً من أصول الحكم، وناظمة أساسية لبناء تنظيم منسجم متعاون يجسّد حقيقة المشاركة في الفكر والرأي، بما يخدم المصلحة.. فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المؤيّد بالوحي استشار أصاحبه في تلك الغزوة أربع مرّات، فاستشارهم حين الخروج لملاحقة العير، واستشارهم عندما علم بخروج قريشٍ للدفاع عن أموالها، واستشارهم عن أفضل المنازل في بدر، واستشارهم في موضوع الأسرى، لأن التشاور يوحِّد القلوب، ويرصُّ الصفوف، ويجعل النفوس تبذل أقصى طاقاتها؛ لأن كلاًّ منها تشعر أنها صاحبةُ القرار، ولا يتوانى أحدٌ عن بذل الجهد، ووَحدة الكلمة ورصُّ الصفوف حول القائد من أهم الأسباب في نتائج المعارك..

ومن الدروس والعبر عباد الله من هذه الغزوة: تتجلى فيها صور الحب الحقيقي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والاستجابة لله وللرسول، وتبرز صفحات من البطولة والتضحية.. حيث كان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون إلى ساحات الجهاد، ويتنافسون على القتال في سبيل الله ونيل الشهادة، بل كان لصغار الصحابة نصيب من هذه البطولات، فهذا عمير بن أبي وقاص أخو سعد ، حضر غزوة بدر وعمره ستة عشر عاماً .. وكان قبل المعركة يتخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يراه فيردَّه بسبب صغره .. وسرعان ما اكتشف هذا البطل الصغير .. فيؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فلما رآه صغيراً رده عن المشاركة في المعركة .. فتولى وهو يبكى .. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بكاءه وإصراره أجازه ، فدخل المعركة ، فقاتل حتى قتل .. رضي الله عنهم أجمعين..

ومن الدروس والعبر في غزوة بدر: الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى وذلك حينما نظّم صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، وأخذ بكل الأسباب المُتَاحة، رجع إلى عريشه الذى بُنى له ومعه صاحبه أبو بكر، وسعد بن معاذ على باب العريش لحراسته وهو شاهر سيفه، واتجه صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء قائلًا: «اللهمَّ أَنجِزْ لي ما وعدتني. اللهمَّ آتِ ما وعدتني، اللهمَّ إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهلِ الإسلامِ لا تُعبدُ في الأرض». فاستجاب الله دعاء رسوله وأصحابه، ونصر حزبه، وأنجز وعده.. (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)، لقد أراد الله سبحانه أن يعرف المسلمون على مدى التاريخ أن النصر سنةٌ من سنن الله، وهو سبحانه إنما ينصر من ينصره، فليس النصر بالعدد والعدة فقط، وإنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله (وما النصر إلا من عند الله).. وإذا أراد المسلمون نصر الله فلينصروا الله بالتمسك بدينه أولاً، ثم بالأخذ بأسباب النصر من قوةٍ وعُدة ، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

مشيراً معاليه في خطبته: بأنَّ الأمة اليوم بحاجة ماسة إلى أن تعود إلى المنهج الرباني والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي لتأخذ الدروس والعبر النيرة، وتتعلم الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعقائد السليمة، والعبادات الصحيحة..

كما استسقى معاليه في الخطبة الثانية اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى بنزول الغيث والأمطار.. حيث قال معاليه: نظراً لتأخر الأمطار عن بلدنا وقلة الماء وحاجة العباد والبلاد لنزول الأمطار شرعَ لنا نبينا صلى الله عليه وسلم الاستسقاء، وقد استسقى خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته مراتٍ متعددةٍ وعلى كيفيات متنوعة فإذا أجدبت الأرض وقحطت وقلت الأمطار.. كما في الحديث عن ابن عباس – رضي الله عنهما -: “خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسَلَمْ للاستسقَاء مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً”. رواه الترمذي..

ومن هده الكيفيات التي أرشدنا إليها نبي الرحمة سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو الإمام في خطبة الجمعة ويؤمن الباقون فإني داع فأمنوا وأدعوا الله فأخصلوا..

ثم دعا معاليه الله سبحانه وتعالى قائلاً: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث, واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبَلاغاً إلى حين. اللهم اغفر لنا إنك كُنت غفَّاراً, وأرسل السماء علينا مِدْرارا, وأمدِدْنا بأموالٍ وبنين, واجعل لنا جناتٍ, واجعل لنا انهارا..

اللهم أنزل علينا من السماء ماءً مباركاً, تُغيثُ البلادَ والعبادَ, وتَعُمُّ به الحاضِرَ والبَاد..