معالي رئيس الجامعة يلقي خطبة الجمعة في جامع الملك فيصل بإسلام آباد

ألقى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش خطبة الجمعة بمسجد الملك فيصل في إسلام آباد يوم الجمعة 30/11/2018م الموافق 22/ربيع الأول/1440هـ..

وقد أوصى معالي رئيس الجامعة الحاضرين بتقوى الله سبحانه وتعالى وأن التقوى هي سفينة النجاة يوم القيامة، فهي جماع الخير كله فاجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي..

وبين معالي رئيس الجامعة بأن خطب الجمعة هذه الأيام في مسجدنا هذا الذي أسس على التقوى من أول يوم عن سورة التوبة.. حيث بين أهمية هذه السورة الكريمة وهي سورة مدنية التي تعني بجانب التشريع وهي من أواخر ما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد روى البخاري رحمه الله عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن آخر سورة نزلت سورة التوبة..

ورُوي أن أولها نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة التاسعة من الهجرة وهي السنة التي خرج فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لغزو الروم واشتهرت بين الغزوات النبوية بغزوة تبوك وكانت في حر شديد، وسفر بعيد، حين طابت الثمار، وأخذ الناس إلى نعيم الحياة، فكانت ابتلاء لإيمان المؤمنين، وامتحاناً لصدقهم وإخلاصهم لدين الله -عز وجل- وتمييزاً بينهم وبين المنافقين.. فقال عز من قائل:

((فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)). (سورة التوبة، 85).

قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: أي‏:‏ لا تغتر بما أعطاهم اللّه في الدنيا من الأموال والأولاد، فليس ذلك لكرامتهم عليه، وإنما ذلك إهانة منه لهم‏.‏ ‏((‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا‏)) فيتعبون في تحصيلها، ويخافون من زوالها، ولا يتهنئون بها‏.‏. بل لا يزالون يعانون الشدائد والمشاق فيها، وتلهيهم عن اللّه والدار الآخرة، حتى ينتقلوا من الدنيا ‏((‏وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ‏))‏ قد سلبهم حبها عن كل شيء، فماتوا وقلوبهم بها متعلقة، وأفئدتهم عليها متحرقة‏..‏

مضيفاً معاليه بأن مناسبة ذكر هذا الكلام هنا أنّه لما ذُكر ما يدلّ على شقاوتهم في الحياة الآخرة كان ذلك قد يثير في نفوس الناس أنّ المنافقين حصلوا سعادة الحياة الدنيا بكثرة الأموال والأولاد وخسروا الآخرة.. وربما كان في ذلك حيرة لبعض المسلمين أن يقولوا: كيف مَنَّ الله عليهم بالأموال والأولادِ وهم أعداؤه وبُغضاء نبيه؟. وربما كان في ذلك أيضاً مسلاة لهم بين المسلمين، فأعلم الله المسلمين أنّ تلك الأموال والأولاد وإن كانت في صورة النعمة فهي لهم نقمة وعذاب، وأنّ الله عذّبهم بها في الدنيا بأن سلبهم طمأنينة البال عليها لأنّهم لما اكتسبوا عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا يحذرون أن يُغريَ اللَّهُ رسوله بهم فيستأصلهم، كما قال ((لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) ((الأحزاب 60( ثم جعل ذلك مستمراً إلى موتهم على الكفر الذي يصيرون به إلى العذاب الأبدي..

مشيراً معاليه في خطبته إلى المضامين التي تناولتها سورة التوبة حيث قال: تناولت هذه السورة المباركة من سور القرآن الكريم وهي سورة التوبة أو البراءة الموضوعات المهمة ومنها: تحديد الدستور الأخير في معاملة الكافرين ومعاملة المنافقين، يحدد الله فيها آخر نظامٍ يتعامل به المؤمنون مع الكافرين والمنافقين، لأن الله تعالى شرع ذلك كغيره من الأحكام على مراحل، كان يعذر المنافقين في البداية ويؤخر تعذيبهم ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر عليهم والإعراض عنهم وعدم المواجهة بالقتال، ليترك لهم فرصة ليتوبوا ويرجعوا ويفهموا ويعقلوا، فلما لم يفقهوا ذلك كانت آخر كلمة الأمر بالجهاد، ولكن لا يُقاتَل كل كافر، إنما يُقاتَل من يستحق القتال، وملخص ذلك أن الكافر المسالم له حق الحياة ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، عيشوا بدينكم ونعيش بديننا والحساب يوم القيامة، أما الكافر الذي يطغى بالصد عن سبيل الله، لمواجهة الإسلام بمعنى كلمة الحق أن تدخل البلاد ويسمعها العباد إن قبلوها أو رفضوها فهذا لابد أن يقاوَم، لأنه يمنع الإنسانية من وراءه حقاً عظيماً وهو حق اختيار العقيدة، يعمل على الناس تعتيماً إعلامياً سيئاً قبيحاً حيث يخبئ عنهم أعظم دينٌ وهو دين الحق، فيحرمهم من سماع كلمة الحق، فهذا يُقاوَم..

وأضاف معاليه بأن من مضامين هذه السورة أنها تحدثت عن أصناف الناس الموجودين في مجتمع المدينة فمنهم مؤمنون مخلصون، ومنهم منافقون يندسُّون في وسط المؤمنين، منهم أعرابٌ يسكنون الصحراء فيهم غلظةٌ وفظاظةٌ، منهم من آمن وكان إيمانه قويًّا، ومنهم من نافق وكفر فكانوا أشد كفراً ونفاقًا، لما فيهم من القسوة الفطرية بحكم طبيعة حياتهم، أصناف وأشكال مجتمع يموج بأصناف الناس، فحدد الله تعالى معاملة كل صنف ليعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده إلى يوم القيامة، كل له معاملة، وهكذا يعطي الإسلام لكل ذي حقٍ حقّه، ويعامل كل إنسانٍ بقدره، ليست فيه عشوائية ولا همجيّة.. وهو دين رحمة وبركة وإحسان، وحث على منفعة الإنسان، فما عليه هذا الدين من الرحمة وحسن المعاملة والدعوة إلى الإحسان، والنهي عن كل ما يضاد ذلك، هو الذي صيره نورًا وضياءً بين ظلمات الظلم والبغي وسوء المعاملة، وانتهاك الحرمات.. وهو الذي جذب قلوب من كانوا قبل معرفته ألد أعدائه حتى استظلوا بظله الظليل.. وهو الذي عطف وحنا على أهله حتى صارت الرحمة والعفو والإحسان تتدفق من قلوبهم على أقوالهم وأعمالهم، وتتخطاهم إلى أعدائهم، حتى صاروا من أعظم أوليائه، فمنهم من دخل فيه بحسن بصيرة وقوة وجدان، ومنهم من خضع له ورغب في أحكامه وفضلها على أحكام دينه لما فيها من العدل والرحمة، قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]، وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا يَرْحَمُ اللّه مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاء).

فإن الله تعالى جعل أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – خير أمة أخرجت للناس، وهم الأمة الوسط العدول الخيار الشهداء يوم القيامة على الناس، وهم أكثر الأمم مؤمناً برب العالمين، وأكثرها تابعاً لرسولها محمد خاتم النبيين، وأكرمها يوم القيامة على رب العالمين، وهم أول أمة يقضى بينها قبل الخلائق وأكثرها وارداً لحوضه – صلى الله عليه وسلم – الذي يطرد عنه كل مرتد ومنافق، وهم أول من يجوز الصراط وأول أمة تدخل الجنة، وهم أكثر أهل الجنة فإنهم ثلثا أهل الجنة، وخاصتهم أشراف أهل الجنة بعد المرسلين والنبيين صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾.

وفي الخطبة الثانية بين معالي رئيس الجامعة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الاستسقاء عند الجدب حيث قال:

علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند احتباس المطر أن نلجأ إلى الله تعالى ونطلب منه السقيا بالدعاء في الخطبة أو بأداء صلاة الاستسقاء..

والله تعالى يرسل المطر لمن يشاء من عباده، ويحبسه عمن يشاء، وله تعالى في ذلك الحكمة البالغة، فنلجأ إليه بالتوبة والاستغفار وبالاستقامة على الطاعات، ولزوم العبادات وكثرة الاستغفار من فعل السيئات حيث هو سبب من أسباب رحمة الله رب الأرض والسماوات قال سبحانه: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا).

مؤكداً معاليه على محافظة فرائض الله وأن نخرج الزكاة عند استحقاقها، وأن نؤدي الحقوق لأهلها، وأن نلزم تقوى الله تعالى، قال عز وجل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

وعلينا أن نكثر من الاستغفار، فهو سبب نزول الأمطار، وعمران الأرض والديار، قال تعالى:( قلتف استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)

وفي نهاية الخطبة دعا معالي رئيس الجامعة الله سبحانه وتعالى أن يسقي العباد والبلاد  وينشر رحمته ويرزق عباده من بركات الأرض والسماء إنه ولي ذلك والقادر عليه..