رئيس الجامعة يلقي خطبة الجمعة في جامع الملك فيصل بإسلام آباد

ألقى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش خطبة الجمعة في جامع الملك فيصل بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد بتاريخ 28 يونيو 2019م..

واستهل فضيلته الخطبة بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حاثاً المسلمين بتقوى الله سبحانه وتعالى والقول السديد والتحلي بصفات المؤمنين والصالحين.. 

وقد تحدث معاليه في الخطبة عن مضامين سورة يونس وأنها من السور التي تُرَكِّز على دعوة النّاس إلى الإيمان بالله تعالى، وكتبه، ورسله، والبعث، والجزاء، و تتحدث عن مظاهرِ عظمة الله تعالى، وقدرته، ورحمته، وتناولت أيضًا قصص بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم، ومنهم يونس -عليه الصَّلاة والسَّلام- مع قومه، فبعدما تَوَعَّدهم بنزول العذاب، ودعا عليهم، وفارقهم، تابوا وآمنوا بالله تعالى؛ فرفَعَ الله -سبحانه وتعالى- عنهم العذاب، بعدما أوشك أن يحلّ بهم، وكانت هذه خصوصية لهم، تُميزهم عن غيرهم من الأقوام..

وبعد تلاوة معاليه الآيات من سورة يونس التي تتحدث عن التوحيد قال: اشتملت هذه الآيات على جمل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمةعقيدة التوحيد التي من أجلها خلق الله تعالى الجن والإنس، كما أخبر الله في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. (الذاريات56). وتحقيق التوحيد هو الغاية التي من أجلها بعث الله الأنبياء والرسل،{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }النحل36.. كما أن جميع الأعمال من صلاة وصيام وجهاد متوقفقبولها على تحقيق أصل التوحيد، { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْيَعْمَلُونَ }الأنعام88.. وأن القرآن كله يدعو إلى تحقيق التوحيد كما فيقوله تعالى {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. غافر14 وقال عز وجل: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَفَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ }يونس106.

فالواجب على جميع أهل الأرض من المكلفين أن يعبدوا الله وحده، وأن يقولوا: لا إله إلا الله، وأن يشهدوا أن محمدًا رسول الله، وأن يخصوا الله بدعائهم وخوفهم ورجائهم واستغاثتهم وصومهم وصلاتهم وسائر عباداتهم، فالعبادة حق الله وحده، لا يجوز لأحد أن يصرفها لغيره..كما جاء ذلك واضحاً وصريحاً في الأحاديث الصحيحة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الصحيح: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)). متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: ((من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار)). وقال عليه الصلاة والسلام ((من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار)). الحديث..

ذاكراً معاليه بأن التوحيد هو كلمة لا إله إلا الله .. فهي أطيَبُ الكلام،وأفضلُ الأعمال، وأعلى شُعب الإيمان، وأثقلُ شيءٍ في الميزان، وهيخيرُ ما يُعدُّ للقاءِ اللهجلَّ جلالُه، فلذا أوصَى الأنبياءُ بها عندموتهم، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُالدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132]. ومن كان آخرُ كلامهمن الدنيا: لا إله إلا الله، دخل الجنة.

والمُوحِّدونيا عباد اللههم أسعَدُ الناسِ بشفاعَةِ النبيصلى اللهعليه وسلميوم القيامة.. فعن أبي هريرةرضي الله عنهقال: قُلتُ: يا رسولَ الله! من أسعَدُ الناسِ بشفاعَتك يوم القيامة؟ قال: «أسعَدُالناس بشفاعَتي يوم القيامة: من قال: لا إله إلا الله خالِصًا من قِبَلنفسِه» (رواه البخاري في صحيحه).. قال ابن القيمرحمه الله -: “وكلَّما كان توحيدُ العبد أعظم كانت مغفرةُ الله له أتمَّ، فمن لقِيَه لايُشرِكُ به شيئًا غفرَ له ذنوبَه كلَّها“...

وفيصحيح مسلم“: قال اللهتبارك وتعالىفي الحديث القُدسي: ((ومن لقِيَني بقُرابِ الأرض خطيئةً لا يُشرِكُ بي شيئًا لقيتُه بمثلِهامغفرةً))..

فلذايا عباد اللهبنَى النبيصلى الله عليه وسلمعلى هذهالكلمة دعوتَه، (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) سورة الأنعام: 162، 163.وكانصلى الله عليه وسلميُربِّي على هذه الكلمةِ أمَّتَه؛ ففيسننالترمذي“: قال ابن عبَّاسٍرضي الله عنهما -: كنتُ خلفَ رسولِ اللهصلى الله عليه وسلم، فقال: «يا غُلام! إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظالله يحفَظك، احفَظ الله تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأَل الله، وإذااستعَنتَ فاستعِن بالله، واعلَم أن الأمةَ لو اجتمعَت على أن ينفعُوكبشيءٍ لم ينفَعوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولو اجتمَعوا على أنيضُرُّوك بشيءٍ لم يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك، رُفعَت الأقلامُ،وجفَّت الصُّحُف».

قال ابن القيم – رحمه الله -: “الإخلاصُ والتوحيدُ شجرةٌ في القلب، فروعُها الأعمال، وثمرُها طِيبُ الحياة في الدنيا، والنعيمُ المُقيمُ في الآخرة، وكما أن ثمارَ الجنة لا مقطوعةٌ ولا ممنوعةٌ، فثمرةُ الإخلاص والتوحيد في الدنيا كذلك، والشركُ والكذبُ والرياءُ شجرةٌ في القلب، ثمرُها في الدنيا الخوفُ والهمُّ والغمُّ، وضيقُ الصدر، وظُلمةُ القلب، وثمرُها في الآخرة الزقُّوم والعذابُ المُقيم، وقد ذكرَ الله هاتَين الشجرتَين في سُورة إبراهيم“. اهـ كلامُه – رحمه الله -.

وفي الخطبة الثانية ذكر معالي رئيس الجامعة بأن النصوصَ الوارِدةَ في فضل كلمةِ التوحيد، وهي تدلُّ على عِظَم شانها وجلالَةِ قَدرِها؛ حيث جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها، وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.. والتوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وجعله من الراشدين.. وهو يخفف عن العبد المكاره، ويهوِّن عليه الآلام، وهو من أعظم أسباب انشراح الصدر..يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وليس للقلوب سرور ولذة تامة إلا في محبة الله تعالى، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تتم محبة الله إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله”..

وفي نهاية خطبته دعا معاليه لجميع المسلمين والمسلمات بالمغفرة والعفو والغفران.. وبالنصر والتمكين للإسلام والمسلمين..

4