استقبل سعادة البروفيسور الدكتور/ اقتدار كرامات مدير معهد تطوير القيادة والتنمية المجتمعية في مدينة برمنجهام صباح يوم الثلاثاء 2/مايو/2017م ــ 2/شعبان/1438هـ معالي الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد وذلك خلال زيارته للمملكة المتحدة لزيارة بعض الجامعات الصديقة والمعاهد التطويرية والتنموية فيها بناء على دعوة رسمية من المعهد المذكور. . وذلك للتعريف بالجامعة ورسالتها ودورها الإسلامي والمحلي والعالمي، وما تقوم به من جهود موفقة مباركة من كافة منسوبيها في نشر العلم الشرعي الصحيح المؤصل المستمد من الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة، وجمعها في تعليمها بين الأصالة والحفاظ على الثوابت والقيم والمعاصرة والعلوم الحديثة التي يحتاجها سوق العمل وتتطلبها الحياة المعاصرة وحرصها على الجودة والاعتماد الأكاديمي، وعنايتها بالجانب البحثي وتذليل كافة المعوقات والصعوبات من أجل الارتقاء به والاشتغال به من قبل أعضاء هيئة التدريس وعضوات هيئة التدريس بخاصة، وتوجيه وتعويد طلابها وطالباتها على الاهتمام بخدمة المجتمع وممارسة العمل التطوعي . . فضلاً عن عناية الجامعة وجهودها في مجال نبذ الغلو والتطرف والتشدد والعنف والإرهاب والإفساد والتبديع والتفسيق ووقاية المجتمع بعامة وطلابها وسائر منسوبيها بخاصة منه، وإقامة البرامج الحوارية والفعاليات والندوات والمؤتمرات والمناشط المختلفة في سبيل محاربة ذلك كله، وتأصيل منهج الوسطية والاعتدال والاستقامة والاتزان في نفوس كل منتسب إليها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وما يوصف به من أنه دين تشدد وغلو وإرهاب، ورد الشبه الواردة عليه على ضوء الفهم الإسلامي الوسطي المعتدل الصحيح المستمد من الكتاب والسنة النبوية الثابتة..
وقد تم خلال اللقاء بين معاليه ومدير المعهد تبادل عبارات الشكر والتقدير على هذه الزيارة الكريمة التي ولا شك تنبئ عن الدور الريادي للجامعة وحرصها على نشر العلم النافع وقيم التسامح والتعايش وتبادل المعارف والعلوم مع كافة الجامعات والكليات والمعاهد ذات العلاقة والذي يظهر الدور الرائد والمتميز الذي تقوم به جمهورية باكستان الإسلامية والمملكة العربية السعودية حكومة وشعباً في هذا المجال وحرصهما على توثيق وتعزيز التواصل العلمي والثقافي والتكامل المعرفي مع كافة الشعوب والبلاد وفق الضوابط والأنظمة والتعليمات وبما يحقق تبادل المعارف والمصالح المشتركة..
بعد ذلك التقى معالي رئيس الجامعة بطلاب وطالبات المعهد حيث ألقى محاضرة علمية توجيهية لأبنائه وبناته من منسوبي ومنسوبات المعهد فضلاً عن أساتذته وأستاذاته . . بدأها بالشكر والتقدير للقائمين على هذا المعهد وتواصلهم مع الجامعة وتبادل الزيارات بينهما لاسيما مع معهد العلامة إقبال للدراسات والحوار والبحوث . . وخص بالشكر سعادة البروفيسور الدكتور/ اقتدار، والبروفيسور الدكتور/ مقصود أحمد المنسق لهذه الزيارة، والاستاذ الشي/ شاكيل على جهودهم المسددة في هذا المجال . . وعلى ما لقيه منهم من حسن الوفادة وكرم الضيافة..
والشكر يمتد لكل يد تدعم هذا العمل العلمي والتربوي على رأسهم وفي مقدمتهم معالي الوزير الشيخ/ أمين الحسنات ــ حفظه الله ــ وإخوانه من باكستان وخارجها . .
كما أشاد بما تعيشه المملكة المتحدة (بريطانيا) من نهضة حضارية وعلمية وتقنية وطبية وثقافية وعمرانية أفادت العالم أجمع في مجالاتها داعياً إلى الاستفادة من هذا كله وفق الضوابط والأطر والدين والقيم والأخلاق . . مشيراً معاليه بأن هناك قواسم مشتركة بين أتباع الديانات وفئات البشر ذلك أن أصل الديانات الإلهية واحد، والمسلم يؤمن بجميع الرسل امتثالاً لقوله تعالى: { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} البقرة/2855.
فالناس متساوون في الحقوق والواجبات والسلام والسلم والعدل وتحقيق الأمن الشامل، والتكافل الاجتماعي، وحسن الجوار، والحفاظ على الأموال والممتلكات، والوفاء بالعهود والعقود وغيرها وفق أحكام الإسلام وضوابطه ومبادئه السمحة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان . .
مضيفاً معاليه بانه ينبغي أن يكون شعارنا كمسلمين هو كما قال إبراهيم النخعي للأعمش ــ رحمهما الله تعالى ــ (نسلم ويسلمون) وهذا خير من (نؤجر ويأثمون) . .
فيمكن أن نتعايش بالرغم من وجود اختلاف بيننا في الديانة أو الملة فضلاً عن الطائفة أو المذهب أو غيرهما امتثالاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات/133.
فهذه الآية دعوة صريحة للتعارف بين مختلف فئات البشر مهما كانت اختلافاتهم وبغض النظر عنها . . بل إن الله عز وجل جعل الاختلاف أساس وأصل التعارف . . ونفهم من التعارف أنه شامل عام للتعارف الفكري والثقافي فضلا عن غيره . .
فالاختلاف أمر بدهي، وسنة كونية، وإرادة إلهية كما قال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ o إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} هود/ 118-1199. فالاختلاف ليس في الشكل والصورة فحسب بل يتعدى ليشمل الطائفة والمذاهب والملة والدين والفكر والثقافة . .
وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن جميع الديانات والمذاهب والطوائف صحيحة . . ؟ ؟ !
مضيفاً معاليه: بأن واقعنا المعاصر يتطلب منا المزيد من التعارف والتعايش بأمن وسلام مع غيرنا ذلك أن الحياة بدون ذلك تبقى هشة غضة لينة عرضة للانهيار في أي وقت وزمان ومكان ؟ ؟
وأردف معاليه: بأن الأمن مطلب فطري، وحاجة إنسانية ملحة، ونعمة من أجل النعم لا تستقيم الحياة بدونه ولا يستغني عنه فرد أو مجتمع أو دولة بشقيه الأمن الجسدي، والأمن الفكري . .
وشدد معالي رئيس الجامعة على أهمية تحقيق الأمن بمفهومه الشامل لاسيما الأمن الفكري إذ تقدم الأمم والمجتمعات ومبعث أمنها واستقرارها مرهون بسلامة عقول أفرادها، ونزاهة أفكارهم ومدى ارتباطهم بثوابت دينهم وأصوله ومبادئه وقيمهم الفاضلة والأخذ عن علمائهم الثقات الربانيين المخلصين . .
ذلك أن العقول إذا ما تلوثت بأفكار وافدة، ومناهج دخيلة وعقائد باطلة، وفتاوى شاذة ساقطة، وسلوكيات منحرفة وثقافات مستوردة فقد جاس الخوف المعنوي وشاع واهتزت المبادئ والمقومات والقيم للأمة، وتقوضت الأركان والثوابت . . وشاعت الشبهات فضلاً عن الشهوات لذا فإن الحاجة ماسة إلى تعزيز الأمن الفكري في الأمة لاسيما في هذا العصر الذي هبت فيه رياح الجنوح عن منهج الاستقامة والاعتدال والوسطية والاتزان . . وشاع الغلو والتطرف والتشدد والتكفير وانتشر العنف والإرهاب والقتل والتدمير . .
فلا بد من رد الناس إلى دينهم الصحيح وتأصيل مفاهيمه العادلة الوسطية بينهم، وإثبات أن الإسلام دين إلهي عظيم، وهو دين الرحمة، والمحبة والأخوة والوئام، والفطرة السليمة والاستقامة . .
مؤكداً معاليه: بأن الإرهاب صناعة، صُنع كما يصنع غيره من المصنوعات، يراد منه التشكيك في الإسلام الصحيح ومفاهيمه الحقة، منهجه السديد، وتعاليمه السمحة وعلمائه الربانيين، وصرف شباب الأمة عن التدين الصحيح، وعن بناء أوطانهم ورفعتها وتقدمها وحضارتها وقوتها ونهضتها والعمل على زعزعة أمنها واستقرارها . .
داعياً معاليه : شباب الأمة المسلمة إلى الحرص على طلب العلم والتحصيل والقراءة والمطالعة ولزوم مجالس الذكر والعلم والأخذ عن الأكابر من العلماء وطلاب العلم وأصحاب السابقة والفضل والمشهود لهم بالكفاية والكفاءة والديانة والأمانة والوسطية والاعتدال والاستقامة . . امتثالاً لقوله تعالى في الدعاء: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الفرقان/744.
فاليوم أنتم شباب، وغداً رجال المستقبل . . أنتم درع أوطانكم وبلادكم وأمتكم . . الكل يعقد عليكم آمالاً كبيرة، ويظن بكم خيراً، فما الأوطان إلا بشبابها وما رفعتها وما قوتها وتقدمها إلا بقوتهم ورقيهم وتقدمهم واستقامتهم وتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبينهم ــ صلى الله عليه وسلم ــ قولاً وعملاً ومعتقداً . .
وإياكم إياكم إياكم والغلو والتطرف والعنف والإرهاب والانحراف أياً كان شكله ومظهره في الفكر أو المنهج أو السلوك أو الخلق . . فالله سبحانه وتعالى شرع لعباده ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وأمرهم باتباعه ولزومه وسلوكه والاستقامة عليه والثبات عليه . .
فهذا هو الإسلام الصحيح فالزموه عبادة ومعاملة وعقيدة ومنهجاً وسلوكاً ومبادئ وأخلاق وفكراً . . فأي خروج عن ذلك هو خروج عن وسطية الإسلام واعتداله وسماحته ويسره ورفقه ورحمته ومحبته وأخوته . . والله سبحانه وتعالى يقول الحق: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} البقرة/143.
بعد ذلك أجاب معاليه على أسئلة الحضور ومداخلاتهم . . وحول سؤال عن المقصود بالطائفية، قال معاليه:
الطائفية لها تعريف لغوي واصلاحي . .
فهي في اللغة مشتقة من الطواف (طواف) وهو كما ذكر ابن فارس في مقاييس اللغة: يدل على دوران الشيء على الشيء، وأن يجف به، ثم يحمل عليه . .
يقال: طاف به، وطاف بالبيت طوْفاً وطوافاً . .
ثم يقال: لما يدور بالأشياء ويغشيها من الماء طوفان . .
أما في الاصطلاح فقد عرفها بعض الباحثين وهو الدكتور (محمد عيسى الشريفين) بأنها ترجع إلى اجتماع مجموعة من الناس تربطهم صلة دينية أو مذهبية أو عرقية أو فكرية . . ويلاحظ أن هذه المجموعة من الناس ينظمهم خيط واحد يجمعهم جميعاً، كما يلاحظ أن التمحور والدوران حول ثوابت أساسية عندهم . . وأن قضية التقليد لديهم هي السائدة وبالوقوف على عملية التقليد نجد أن هناك تعطيلاً للعقلية الفردية، وإعمال لعقلية الجماعة..
وهذا السلوك قديم قدم الإنسانية، وقد كان من أعظم مقاصد رسالة الإسلام والأديان السماوية قبله أن تعيد التوجيه والتصويب، فتصوب ما أعوج من سلوك البشر، وذلك ببيان ما يجب أن يكون من الإنسان تجاه أخيه الإنسان . .
فالطائفة أمرٌ ممدوح إذا تضمن الاجتماع والتعاون على البر والخير ونشر الفضيلة ونصرة القضايا العادلة للأمة والوطن . .
أما أن تكون الطائفية كما مَثَّلها، دُريد بن الصّمة في قوله:
ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ
فهذا مذموم لا يقره ديننا الإسلامي ولا ذو عقل رشيد . . ومن ثم قيل للمنتسب إلى الطائفة (طائفي) حيث نطلق من فهم أن الطائفة التي ينتمي إليها هي التي تحتكر الحقيقة . . أ. هـ .
بعد ذلك كرر معاليه شكره وتقديره لإخوانه المنظمين لهذا اللقاء ولأساتذة هذا المعهد وأستاذاته ولأبنائه الطلاب والطالبات وللحضور الكرام . .
كما تم تكريم معاليه . . وفي المقابل كرّم معاليه مدير المعهد بدرع الجامعة ممثلة بمعهد إقبال للبحوث والحوار . .
جدير بالذكر أن هذا اللقاء استمر أكثر من ثلاث ساعات متواصلة أصفى الجميع خلاله لكلمات معاليه وتوجيهاته وثمنوا علمه وفكره وخدمته للإسلام والمسلمين وتحمله مشاق السفر وعناء الترحال في سبيل نشر وسطية الإسلام واعتداله وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، وتوجيه المسلمين وأبنائهم لاسيما في هذه البلاد بلاد الأقليات المسلمة إلى لزوم طريق الاستقامة والاتزان والاعتدال . . والبعد عن الغلو والتطرف والعنف والإرهاب والقتل والإفساد، والطائفية والتعصب المذهبي . والتعايش مع غيره بأمن وأمان وسلم وسلام وتسامح وفقاً لمنهج الكتاب والسنة . .
كما يأتي ضمن جهود الجامعة لاسيما العالمية ممثلة بمعهد إقبال للدراسات والبحوث والحوار في داخل باكستان وخارجها . .