معالي رئيس الجامعة يرعى الحفل الختامي لدورة تدريبية للمفتين المقامة من قبل أكاديمية الشريعة..

رعى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش صباح يوم الاثنين 14/مايو/2018م الحفل الختامي لدورة تدريبية لإعداد وتأهيل المفتين التي نظمتها أكاديمية الشريعة التابعة للجامعة في مقرها في مبنى الجامعة القديم مسجد الملك فيصل ـ يرحمه الله ـ وشارك فيها أصحاب أهل الفتوى من مختلف أقاليم الباكستانية وتلقوا فيها الدروس والمحاضرات والدورات التدريبية على الإفتاء وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية السمحة مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على أيدي المتخصصين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة..

وقد بدئ الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم تلاها أحد المشاركين في الدورة.. ثم كلمة لمدير عام أكاديمية الشريعة الأستاذ الدكتور/ محمد منير أشاد فيها بالمشاركين في هذه الدورة التدريبية وجهود أكاديمية الشريعة في خدمة القضاة والمحامين والمفتين.. وقدم شكره وتقديره الخاص المقرون بالدعاء لمعالي رئيس الجامعة البروفيسور/ أحمد بن يوسفالدريويش على رعايته هذا الحفل خاصة وعلى دعمه وعنايته واهتمامه العام بأكاديمية الشريعة . .

ثم ألقى معالي رئيس الجامعة كلمة توجيهية تربوية لإخوانه من المفتين المشاركين في هذه الدورة حيث بدأها بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم والشكر والتقدير لأكاديمية الشريعة إداريين ومحاضرين وأكاديميين وكل من ساهم في الإعداد والترتيب والتنظيم لهذه الدورة التربوية التدريبية وخص من بينهم الأستاذ الدكتور/ محمد منير الذي يبذل الجهود المباركة في خدمة هذا المجتمع والشكر لإخوانه العلماء والأساتذة الذين حاضروا في هذه الدورة وعلموا فيها ووجهوا.. وبين أهمية إقامة مثل هذه الدورات والأثر الطيب والنفيس المترتب عليها مؤملا معاليه أن يمتد العطاء وتزداد هذه الدورات ليعم النفع ويكثر النماء وتتحقق الثمار المرجوة في تحقيق الأهداف المنشودة منها وفقاً لرسالة الجامعة وغايتها السامية النبيلة والمتمثلة في تأصيل المعتقد الحق والعقيدة الإسلامية الصافية ونشر منهج الإسلام الصحيح الوسطي المعتدل الذي ينبذ الغلو والتشدد والتطرف والإرهاب والتكفير والقتل والتدمير..

مبيناً معاليه في كلمته أهمية الافتاء وخطورته حيث قال: إنالإسلام دين يتميَّز عن سائرِ الأديانِ بشموليته الواسعة، وبتلبيته لكل متطلبات المجتمع البشري في أيِّ عصر ومصر، دستورُه القرآن يقدِّم الحلول المناسبة لكل قضية من قضايا البشر تلويحًا أو تعريضًا.. وفي الإسلامِ أحكامٌ وتشريعاتٌ تتعلَّق بجميع أمورِ حياتنا في المجتمع والنفس وكل ما يتعلَّق بصغائرِ الأمور وكبائرِها، وقد كان مرجعنا في ذلك القرآن الكريم أوَّلًا، والسُّنة النبوية ثانيًا، وإجماع الأمة والقياس ثالثًا ورابعًا.. والعلماء الراسخون في العلم هم الأدلاء على ما فيها بالنسبة إلى العوام الذين ليس لديهم دراية للاطلاع على ما فيها من الأحكام وفقًا لما قال الله جل وعلا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ومن هنا تجلَّت أهمية الإفتاء ومكانته..

موجهاً معاليه إخوانه الذين تصدروا للافتاء بإخلاص النية في عملهم؛ لأنه عبادة، والعبادة مبناها على النصِّ عن الله عز وجل أو عن رسوله -صلى الله عليه وسلم، فإخبار الناس عن أمور دينهم وافتاؤهم فيما يتعلق بعبادتهم ومعاملاتهم لا بد من استحضار نية العبادة فيها.. حتى نؤجر عليها من قبل الله سبحانه وتعالى..

مشيراً معاليه بأنالتساهل في الإفتاء أمر خطير كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: ليس لأحد أن يقول في شيء حلال ولا حرام إلا من جهةِ العلم، وجهةُ العلم ما نُصَّ في الكتاب أو في السُّنة أو في الإجماع أو في القياس على هذه الأصول وما في معناها، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} [يونس: 59، 60].. قال ابن كثير رحمه الله: وقد أنكر الله تعالى على من حرَّم ما أحلَّ الله أو أحلَّ ما حرَّم بمجرد الآراء والأهواء التي لا مستند لها ولا دليل عليها، ثم توعَّدهم على ذلك يوم القيامة. ومن هنا كان السلفُ الصالح يتحاشون المسارعة إلى الإفتاء والإكثار منه؛ بل كانوا يترامونه فيما بينهم، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: “أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدُهم عن المسألة ما منهم من أحد إلا ودَّ أن أخاه كفاه، وفي رواية: فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى يرجع إلى الأول.. فقال بعض العلماء لبعض المفتين: إذا سُئلتَ عن مسألة فلا يكن همك تخليص السائل، ولكن تخليص نفسك أولًا.. لكن اليوم للأسف الشديد انقلبت الأمورُ رأسًا على عقب، فقد أصبح الإفتاء صهوة يمتطيها كلُّ من هبَّ ودبَّ، ووسيلةً لاستقطابِ أنظارِ الجماهير إليه..

وذكر معاليه في كلمته دور الفتاوى في استقرار المجتمع حيث قال: إن العلماء مشاعل طرق الأمة وسرجها، يخرجون الناس من الظلمات إلى النور، وينتشلونهم من وهدة الجهالة والغواية إلى واحة المعرفة والهداية، وهم أمان لأهل الأرض؛ حيث إنهم خلفاء الأنبياء وورثتهم، والأنبياء لم يبعثوا لإثارة البلبلات وتهييج التوترات؛ بل أُرسلوا رحمةً ونجاةً للناس من كل أنواع البلايا والشرور: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. فعلى العلماء والمفتين العملُ للحفاظ على استقرار المجتمع وهدوئه، ولحفظ هوية الدول والأمم، واجتناب كل ما يؤدي إلى التوتر والاضطرابات؛ حيث إن الإسلام دينُ أمنٍ وسلامةٍ، ودين تسامح وتفاهم، وليس دينَ إكراهٍ ولا إرهاب، كما تنادي بهذا الآيات القرآنية الكثيرة والأحاديث النبوية العديدة..

مضيفاً معاليه بأن الإسلام لا يأذن لأيِّ أمر فاسد أو قبيح أو مؤذٍ أو مخوف قليلا ما في مجال الدعوة والمعاشرة والتعايش بالقول والفعل حتى وبالقلب؛ بل يؤكد الإسلام أن جميع الأمور المذكورة ليس من شأن المسلم، وليس في الإمكان أن نرى ملة غير الملة المحمدية تشير إلى قانون شامل يهدي الناس إلى النهج القويم في أمور المعايش الدنيوية والأخروية، والإسلام كما -يؤذن الاسم- يعلن جهارًا بأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا يؤذي الناس بلا فرق بين المسلم والكافر، بإرهاب أو تخويف أو سد الطريق وقتل النفوس بغير حق والظلم والفساد. فعصارة المقال: أن العلماء وأصحاب الفتاوى خلفاءُ الله تعالى بين عباده، وهم يخبرون الناس عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم قدوة للعوام والجماهير، فإذا اعوجَّ الغصن فلا محالة يعوج الظل أيضًا، فعليهم أن يكونوا نماذجَ حيَّةً لتعاليمِ القرآن والسنة السمحة في حياتهم الشخصية والاجتماعية، وفي أقوالهم وخطاباتهم وفتاويهم، وما إلى ذلك، وألا يكونوا المسؤولين الأُول عن جميع الفوضياتواللااستقرارات التي تسود العباد والبلاد..

وفي نهاية كلمته كرر معاليه شكره وتقديره لجميع الحاضرين والمشاركين في الدورة ولكافة العاملين في أكاديمية الشريعة على جهودهم المباركة المبذولة في خدمة الإسلام والمسلمين..

ثم بعد ذلك تم توزيع الشهادات والدروع التذكارية للمشاركين في الدورة..

وقد عبر الجميع عن شكرهم وتقديرهم لمعالي رئيس الجامعة على هذا الاهتمام والمتابعة والعناية وعلى كلماته التوجيهية التربوية التي استمعوها من معاليه في هذا الحفل المبارك..

سائلين الله سبحانه وتعالى أن يوفق معاليه لما فيه الخير للعباد والبلاد وأن يمتعه بالصحة والعافية والسعادة في الدنيا والآخرة..