معالي رئيس الجامعة يخطب في جامع الملك فيصل بإسلام آباد عن: استقبل رمضان المبارك

خطب معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش بمسجد الملك فيصل في إسلام آباد يوم الجمعة 18/5/2018م وقد حضر الخطبة جمع غفير من المصلين من مختلف الأقاليم الباكستانية حسب عادتهم في حضور الخطبة الأولى من شهر رمضان المبارك في مسجد الملك فيصل بمدينة إسلام آباد حيث  الخطيب يبين أهمية رمضان وأحكامه..

وقد أوصى معالي رئيس الجامعة الحاضرين بتقوى الله سبحانه وتعالى وأن التقوى هي سفينة النجاة يوم القيامة، والتزام طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنها سلوك طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إنها علم وعمل، والتزام بأداء ما فرض الله علينا، واجتناب ما حرّم الله علينا من المحرمات.. وأوصاهم بلزوم سبيل الحق والهدى والصراط المستقيم.. والتمسك بالعقيدة الصحيحة الصافية المستمدة من الكتاب والسنة.. والبعد عن التطرف والغلو والتشدد والإفراط والتفريط والإفساد..

مضيفاً معاليه بأننا الْيَوْمَ نستقبل شَهْرِ رَمَضَانَ المبارك.. شهر كريم وموسم عظيم خصه الله بالتشريف والتكريم وأنزل فيه القرآن العظيم وفرض صيامه على المسلمين وسن قيامه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم شهر إجابة الدعوات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات وكثرة النفحات شهر تكفير السيئات والصفح عن الموبقات وإقالة العثرات شهر فضل الله أوقاته على سائر الأوقات وخصَّه بأسمى الصفات..

مبيناً معاليه بأن الصِّيَامُ عِبَادَةٌ لاَ يَطَّلِعُ عَلَى صِدْقِ صَاحِبِهَا إِلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَالْعَبْدُ الصَّالِحُ يُخْضِعُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ لِطَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَيَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ، فَإِنَّ اللهَ يُجْزِلُ لَهُ الأَجْرَ وَيُضَاعِفُ لَهُ الثَّوَابَ مُضَاعَفَةً تَقَرُّ بِهَا عَيْنُهُ وَيَفْرَحُ بِهَا فِي يَوْمٍ لاَ يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلاَ بَنُونُ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيِمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ  يُقَالُ: “أَيْنَ الصَّائِمُونَ” فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ” (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وفي حديث آخر: “إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ” (أخرجه مسلم).

مشيراً معاليه في الخطبة إلى حال أمتنا الإسلامية حيث قال: إن رمضان محطة ينبغي أن نتوقف فيها كثيراً لنتأمل حالنا وحال أمتنا.. نتأمل حالنا وما نحن عليه وفيه من أمن وطمأنينة ورغد عيش وحياة كريمة ونتذكر نعم الله علينا حيث حرم أقوام نعمة بلوغ رمضان فكم من أشخاص صاموا في العام الماضي هم في هذا العام تحت الأجداث مرتهنون بأعمالهم وكم من أقوام أصحاء في العام الماضي وفي هذا العام لا يستطيعون الصيام لأمراض حلت بهم..

وينبغي لمن أدركه الصيام أن يتفقهوا في أحكام الصيام ويتعلموا ما يعرفون به الحلال و الحرام والمفطر وغير المفطر في الصيام؛ فإن العبادات مبناها على الأدلة من الكتاب والسنة، وكل عبادة لا تقوم على ذلك فإنها مردودة على صاحبها، والتفقه في أحكام الصوم سهل يسير خصوصاً في هذا الزمان الذي توفرت فيه جميع سبل العلم من مقروء ومسموع ومرئي..

الصيام مدرسة للبذل والجود والبر والصلة، هو حقًّا معين الأخلاق ورافد الرحمة، ومنهل عذب لأعمال الخير في الأمة.. فما أجدر الأمة الإسلامية وهي تستقبل شهرها أن تقوم بدورها! وتحاسب نفسها! وتراجع حساباتها! وتعيد النظر في مواقفها..

وفي الأمة أناس صالحون يرون في رمضان دورة إيمانية تدريبية لتجديد معانٍ عظيمة في النفوس، من الإيمان العميق، والخلق القويم، والصبر الكريم، والعمل النبيل، والإيثار الجليل، والتهذيب البليغ، والإصلاح العام للأفراد والمجتمعات..

ذاكراً معاليه بأن رمضان شهر الانتصارات والنصر والتمكين للأمة الإسلامية عبر تاريخها المجيد.. وما تعانيهُ الأمةُ اليوم من ذلٍ وهوانٍ، وتسلطِ أعدائِها عليها يسومونها سوءَ العذاب، يسفكونَ دمائها، ويستبيحونَ بيضَتها، ويدنِّسون عقائدَها، ويُميِّعون أخلاقَها، وما نزل بإخوانني المستضعفين في عالمنا الإسلامي والعربي بصفة عامة وفي فلسطيننا الحبيب بصفة خاصة من قبل اليهود الغاصبين الظالمين ونقل سفارة أمريكا إلى قدسنا الحبيب لهو أمر مشين ومخالف للمبادئ الإسلامية والأعراف الدولية وقوانينها.. فقضية فلسطين هي قضية جميع المسلمين، هي قضية تجمعت فيها كل المصائب، قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا.. فلسطين هي الأرض المقدسة، أرض الأنبياء الذين نحن المسلمين أحق بهم من كل من يدعي اتباعهم، فنحن أحق بموسى من اليهود المغضوب عليهم، وأحق بعيسى من النصارى الضالين.. قد أتى على مسلمي فلسطين قرابة قرن من الزمن مرابطين في الثغور، مدافعين بأموالهم وأنفسهم عن البلاد المقدسة التي كُتبت تاريخها بدماء الصحابة وأتباعِهم المجاهدين، تتابعت حكومات الإسلام في أرضها وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، حاول الصليبيون كسرها فجاسوا خلال الديار، لكن المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد، كان العلماء يحثونهم على الجهاد، وكان الأغنياء يبذلون أموالهم في الإعداد، وكان الحكام يقودون المجاهدين لنصرة دين رب العباد، أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم من الأمراء الذين غرسوا في الأمة روح الجهاد فوقفوا درعاً أمام الحملات الصليبية حتى أخرجوهم من الأرض المقدسة..

وفي الوقت الحاضر كان لبعض الدول العربية والإسلامية دور رائد ومتميز في موقفها المشرف ونضالها وشعوبها ضد الصهاينة المغتصبين ومن أعانهم وناصرهم ومن هذه الدول جمهورية باكستان الإسلامية المباركة أرض الطهرة والنقاء التي ما فتأت حكومة وشعباً تدافع عن هذه القضية وتدين كل عمل عدواني ضد إخواننا المستضعفين في فلسطين… ومن أولى الدول العربية والإسلامية أيضاً في نصرة هذه القضية وجعلها قضيتها الأولى دولة الحرمين الشريفين ومهبط الوحي، وبيت المسلمين الكبير المملكة العربية السعودية –حرسها الله – حيث أخذت منذ عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ على عاتقها دعم جميع القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.. ويعد موقف المملكة من قضية فلسطين من الثوابت الرئيسية لسياسة الدولة منذ عهد المؤسس، إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ أيده الله ـ وقامت السعودية بدعم ومساندة القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها وعلى جميع الأصعدة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)؛ وذلك من منطلق إيمانها الصادق بأن ما تقوم به من جهود تجاه القضية الفلسطينية إنما هو واجب تمليه عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها لأمتها العربية والإسلامية.. وما زال هذا موقفها إلى اليوم فهي تناصر وتعاضد إخوتنا الفلسطينيين في استرداد حقهم المشروع.. فنسأل الله تعالى أن يحفظهم وأن ينصرهم على اليهود الغاصبين الظالمين.. وأن يكون الله عوناً وناصراً للمستضعفين من المسلمين.. وأن يوحد كلمة المسلمين على الحق والهدى والرشاد..

حاثاً معاليه في الخطبة الثانية جميع المسلمين بتقوى الله وشكره على ما منّ به علينا من حلول شهر الصيام والقيام، شهرُ تزكيةِ النفوس وتربيتِها، أعظم القرُبات فيه : الصومُ الذي افترضه الله تعالى تحقيقًا للتّقوى .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون).. والتّقوى حساسيّةٌ في الضمير، وصَفاء في الشعورِ، وشفافيّة في النفس، ومراقبةٌ لله تعالى، فالصّوم ينمِّي الشعورَ بالمراقبة، ويزكِّي النفس بالطاعة.. أمَّا ثواب الصائمين فذاك أمرٌ مردُّه إلى الكريم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قال: ((قال الله عزّ وجلّ: كلُّ عمَلِ ابنِ آدم له إلاَّ الصّوم، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يسخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إني امرُؤ صائم. والذي نفس محمّد بيده، لخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله يومَ القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح بفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عندهما: ((يدع طعامَه وشرابه وشهوتَه من أجلي)) ، وفي صحيح مسلم أنّ النبيّ قال: ((ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِبت الكبائر((.

كما نبه معاليه في خطبته الثانية بإخلاص النية الصالحة والعزم الجاد على الاجتهاد في طاعة الله في رمضان.. والتواصي بالحق والتعاون على أعمال البر والتقوى في هذا الموسم المبارك..

وذكر معاليه في الخطبة بأن هناك ثلاث ساعات يومياً في رمضان لا نفرط فيها مهما كان الثمن.. فإنك إذا حافظت عليها حصل لك الخير والأجر والثواب الكثير.. عند الفطر، وفي آخر الليل، وبعد صلاة الفجر.. فالمسلم يحرص على استغلال هذه الساعات المهمة..

كما دعا معاليه في نهاية الخطبة بدعاء جامع حيث قال: اللهم بارك لنا في رمضان ، وأعنا على صيامه وقيامه وإتمامه، ووفقنا للقيام بحقك فيه وفي غيره، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك ، صوابًا على سنة نبيك..

اللهم إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة..

اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين، ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى أله وصحابته أجمعين.. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي..

اللهم آمنا في الأوطانِ والدور وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ، يا عزيزُ يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون..