معالي رئيس الجامعة يخطب في جامع الملك فيصل بإسلام آباد

خطب معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش بمسجد الملك فيصل ـ يرحمه الله ـ يوم الجمعة 21/2/1439هـ الموافق 10/11/2017م.. وفي بداية خطبته أوصى معالي رئيس الجامعة الحاضرين بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن..

ثم تواصل معاليه الكلام عن قصة موسى عليه السلام مع قومه وكيف أنجاه الله وقومه من فرعون وعمله حيث قرأ معاليه على مسامع الحاضرين الآيات الواردة في القرآن الكريم بهذا الصدد قال الله سبحانه وتعالى: (( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ  قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)). (141).

وقال معاليه: تواصل هذه الآيات الكريمات الحديث عن بني إسرائيل، وقد تخطوا البحر فصادفوا قومًا يعبدون الأصنام، فطلبوا من موسى عليه السلام إلهًا كما لهم آلهة فبيَّن لهم جهلهم وكفرَ عبدة الأصنام، وفضَّل الله عليهم.. وما في هذه الآيات من عظات وعبر، فتتحدث عما نزل بقوم فرعون من المصائب والنكبات، وما ابتلاهم الله به من القحط والجدب والمجاعات، والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم نتيجة إصرارهم على الكفر..

ثم ذكرت أنواع النعم التي أنعم الله بها على نبي إسرائيل، ومن أعظمها إهلاك عدوهم، وسلامتهم وأمنهم واستقرارهم..  وأن الشدائد ترفق القلوب، وتجلب الخشية إلا عند المتمردين الكفرة، فإنهم يزدادون بالمحن تمردًا وكفرًا.. وقد أنعم الله على بني إسرائيل بكثير من النعم، ومنها نجاتهم من فرعون وقومه، وعبورهم البحر، وتحقيق الأمن والرخاء، ولكنهم قابلوا تلك النعم بالجحود والكفران وطلبوا عبادة لغير الله..

مضيفاً معاليه: بأن التكاتُف والتعاوُن فيما بين المسلمين في الأوطان والمجتمعات فِطرةٌ في الخلق، ومبدأٌ إسلاميٌّ أصيل، وأمرٌ إلهيٌّ جليل، وإن أمتنا المسلمة تملِك إرثًا تاريخيًّا وحضاريًّا في الاتِّحاد والاجتِماع، وتملِك من مُقوِّمات الوحدة أكثر من غيرِها، فعلى الأمَّةِ الإسلاميَّةِ أن تسعَى بكل صِدقٍ وإخلاصٍ إلى التمسُّكِ بأسبابِ بقائِها كأمَّةٍ، وأن تعود إلى سبب رِيادَتها وإلى ذاتِ رِسالتِها..

ذاكراً معاليه: أهم مقومات بقاء الأمة الإسلامية، حيث منها: الحفاظ على أمن بلادنا وأوطاننا وبلاد المسلمين.. وإن الشعور بالنعمة العظيمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها في أنفسنا، في بيوتنا، في لقمة عيشنا.. تحدث عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد، حيث قال عليه الصلاة والسلام: “من أصبح آمناً في سِرْبِه، مُعافىً في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حيزَتْ له الدنيا بحذافيرها”. آمناً في سربه: في بيته، في حيّه، في عمله، في قريته، في مدينته، في مجتمعه، في بلده.. معافىً في جسده: وهو الأمن الصحي، والأمن الغذائي، والأمن النفسي الذي يمكن أن تتحدّث عنه اليوم كل الدول المتحضّرة، والذي كَفلَه الإسلام لأتباعه في القرآن الكريم، وفي نصوص الحديث النبوي الشريف.. فلنحافظَ على نعمة أقواتنا، ونعمة أجسادنا، ونعمة أنفسنا، ونعمة أمن أوطاننا..

مضيفاً معاليه: بأن من أهم وسائل الحفاظ على الأمن: الحذر من ترويع المسلمين والاعتداء عليهم: ولقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم من وسائل الحفاظ على الأمن، فقال عليه الصلاة والسلام: “إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نَبْلٌ فلْيُمْسِكْ على نِصالِها”. صحيح مسلم. وفي رواية: “فليقبِضْ بكفّه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء”. هنا يحذّر النبي عليه الصلاة والسلام من أن يعتدي مسلمٌ على أخيه المسلم برمحٍ أو نبلٍ أو نَصلة سيفٍ أو نحوِ ذلك؛ حتى لا يؤذيَ المسلمُ المسلمَ، فالمسلم على المسلم حرام، دمُه ومالُه وعِرضُه..

ولقد كان من آخر ما أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام في خُطبة حجّة الوداع: “إن دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”. حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُراقَ دماءُ المسلمين بأيدي المسلمين، ودعا إلى حقنها والحفاظ عليها، والحفاظ على أمن النفس وأمن الغذاء وأمن الصحة وأمن الوطن، فأمن الوطن يحقّق ذلك كلَّه..

وفي إشارة أخرى إلى حُرمة الترويع والتخويف والتهديد، وإثارة الفوضى والتشويش فيما بين الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروّعَ مسلماً”. وقد ذكر بعض العلماء من المحدّثين أنَّ من أيسر الأمور أن تروّعَ أخاك فتُخفي عصاه أو تخفي حذاءه فإنه يُرَوَّعُ بذلك، فما بالكم إذا كان الترويع بسيفٍ، أو بأداةِ قتلٍ، أو بتهديدٍ وسَلْبٍ للأمن، فذلك مما يحذّر منه الإسلام على لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذه النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دالة على تحريم أذى المسلمين بأي وسيلة كانت سواء كانت باليد أو باللسان أو بالقلب.. والإسلام وحده يؤلف وحدةً للمسلمين، حتى ولو كان اختلاف الآراء موجوداً بينهم ولكنه لا يؤدي إلى اختلاف القلوب بحيث ينفر البعض من البعض ويبغضه ويحسده ويهدده ويخوفه.. والإسلام هو وحده الذي يجعل منهم أمةً واحدة، وإن جميع الفوارق والمميزات فيما بينهم تذوب، وتضمحل ضمن نطاق هذه الوحدة الشاملة، وتذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وتسقط الفوارق، فوراق النسب واللون، فلا يتأخر أحد، أو يتقدم، إلا بطاعة الله وتقواه.. اللهم مكّن للأمة الإسلامية وانصرها وحفظها من كل سوء ومكروه.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

كما ذكر معالي رئيس الجامعة في خطبته بأن الوَاجِبُ الآخر من الواجبات على المسلمين تِجَاهَ الوَطَنِ هُوَ وَاجِبُ البِنَاءِ، وَبِنَاءُ الوَطَنِ امتِثَالٌ لِمُهِمَّةِ الاستِخْلاَفِ فِي الأَرْضِ وإِعْمَارِهَا، قَالَ تَعَالَى: ((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا))، وَقَالَ أَيْضًا: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))، فَكُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فِي مَوقِعِهِ مُستَخْلَفٌ وَمُطَالَبٌ بِالبِنَاءِ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ وقُدُرَاتِهِ، وَيتَجلَّى بِنَاءُ الوَطَنِ فِي مَجَالاَتٍ شَتَّى، يَتَجلَّى فِي الحِفَاظِ عَلَى المُمتَلَكَاتِ وَالمَرافِقِ العَامَّةِ، فِي الحِفَاظِ عَلَى خَيْرَاتِ الوَطَنِ وَثَرَوَاتِهِ وَبِيئَتِهِ، فِي إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، فِي الكَفِّ عَنِ الإِسْرَافِ واستِنْزَافِ المَوَارِدِ مَهْمَا قَلَّتْ أَو كَثُرَتْ؛ كُلُّ ذَلِكَ بِنَاءٌ لِلْوَطَنِ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ-، بِنَاءُ الوَطَنِ يَتَجلَّى كَذَلِكَ فِي إِتْقَانِ العَمَلِ النَّافِعِ المُفِيدِ، وَفِي حُسْنِ المُعَامَلَةِ فِيمَا بَيْنَنَا وَمَعَ الأَجنَبِيِّ الغَرِيبِ، وَفِي دَعْمِنَا لِلْمُنَتَجِ الوَطَنِيِّ النَّافِعِ، كَمَا يَتَجلَّى بِنَاءُ الوَطَنِ فِي نَشْرِ العِفَّةِ وَالفَضِيلَةِ، وَإقْصَاءِ الفَاحِشَةِ وَالرَّذِيلَةِ، لِيَكُونَ مُجتَمَعُنَا نَاهِضًا بِالقِيَمِ الفَاضِلَةِ، لاَ مُنْغَمِسًا بِأَدناسِ التَّحَلُّلِ وَالفُجُورِ، وَمِنْ بِنَاءِ الوَطَنِ أَيْضًا بِنَاءُ الإِنْسَانِ الصَّالِحِ، لأَنَّ الإِنْسَانَ هُوَ الثَّروَةُ الكُبْرَى وَالعَامِلُ الأَهَمُّ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأخُّرِ، وَقَدْ عَرَفَتِ الأُمُمُ المُتَقدِّمَةُ قِيمَةَ بِنَاءِ الإِنْسَانِ فَأْولَتْهُ العِنَايَةَ الفَائقَةَ، لِذَا كَانَ لِزَامًا عَلَيْنَا أَنْ نَرتَقِيَ بِأَنْفُسِنَا وَأُسَرِنَا وَالنَّاسِ مِنْ حَولِنَا ثَقَافَةً وَعِلْمًا وَوَعْيًا وَفَاعِليَّةً وَتَرْبِيَةً، فَارتِقَاؤُنَا ارتِقَاءٌ لِلْوَطَنِ وازْدِهَارٌ وَرِفْعَةٌ لَهُ. بِنَاءُ الوَطَنَ يَتَجلَّى فِي وُقُوفِنَا فِي وَجْهِ المُفْسِدِينَ وَالمُنْتَهِكِينَ لِحُرُمَاتِ الوَطَنِ مِنْ أَبنَاءِ الوَطَنِ نَفْسِهِ، إِنَّهَا مَسؤولِيَّةُ الجَمِيعِ لأَنَّ نَتَائِجَهَا تَعُمُّ الجَمِيعَ عَاجِلاً أَو آجِلاً . .

مضيفاً معاليه: بأَنَّ حُبَّ الوَطَنِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَ حُدودِ المَشَاعِرِ وَالعَوَاطِفِ الجَيَّاشَةِ، بَلْ لاَ بُدَّ أَنْ يَتَمثَّلَ سُلُوكًا صَالِحًا نَافِعًا، فَكُونُوا يَا عِبَادَ اللهِ قُدْوَةً لِغَيْرِكُمْ فِي المُوَاطَنِةِ الصَّالِحَةِ، وَقُدْوةً لأُسَرِكُمْ وَأَهْـلِكُمْ وَجِيرَانِكُمْ، وَلاَ تَنْتَظِروا المُبَادَرَةَ مِنْ غَيْرِكُمْ، فَالأُمَمُ التِي نَهَضَتْ إِنَّمَا نَهَضَتْ بِإِرَادَةِ أَصْحَابِ الهِمَّةِ العَالِيَةِ وَالمُبَادَرَةِ الفَاعِلَةِ وَالمَشَارِيعِ المُبْدِعَةِ، نَسأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنَ عَمَرَ الأَرْضَ وَالوَطَنَ بِطَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وفي آخر الخطبة دعا معالي رئيس الجامعة دعاءً جامعاً لجميع المسلمين بخيري الدنيا والآخرة.. وبالنصر والتمكين للأمة الإسلامية جمعاء..