نحبك يا وطني.. الوطن هو الانتماء و الوفاء والتضحية والفداء..
ماذا أكتب أو أقول في حق وطن عظيم نَهضَ وتقدَّم ونَما وتطوَّر وتبنى الاعتدال في كل شأن من شؤونه سواء في معتقده أو منهجه أو اقتصاده أو سياسته الداخلية أو الخارجية.. ففي القلب مشاعر ملأ بكلمات لا أستطيع لها وصفاً، ولا أعرف كيف أبوح بها.. كلمات شكر وعرفان وحب ووفاء وولاء وانتماء لك يا أغلى وطن.. أقولها بصوت عالٍ لكي يسمعها كل مَنْ هو على وجه هذه المعمورة.. شكراً لك يا وطن الطهارة والنقاء والإباء والوفاء.. يا من عِشتُ بل ولدت وترعرعت على أرضه الطاهرة، وترابه النقي الذي يفوح شيحاً ونفلاً وخزامىً وعراراً.. وطني الغالي الذي شعرت فيه بالأمن والأمان يكفيني شرفاً وفخراً واعتزازاً بك يا وطن انتماءً إليك.. شكراً لك يا بلد العطاء والخير.. مهما قلت في حقك فإنّ لساني يَعجز عن النطق.. ويَراعٍ يقصر عن الوصف..
الوطن كلمة انتماء ترمز للوحدة والقوة.. ومنبع العزة والفخر..
فالمسلم الحقيقي يكون وفياً أعظم ما يكون الوفاء لوطنه.. محباً أشد ما يكون الحب له.. مستعداً للدفاع عنه والتضحية دونه بنفسه ونفيسة وماله وولده.. وغاليه ورخيصة.. فحبه لوطنه، حب خالص أصيل، حب طبيعي فطري جبلت النفس عليه.. حب أجمل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهةً أو شك.. حب تدعو إليه الفطرة.. وترحب به العقيدة.. وتؤيده السنة.. الوطن حضن واستقرار.. وسياج الأمان للمواطن الصادق في إيمانه وحبه لهذا الوطن الذي سقى قلوب أبنائه بخيراته.. ورفع شأنهم بين الأمم.. وطن مهد الرسالات.. وطن تعهد بتنفيذ ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم..
يُعتبر حبّ الوطن أمراً فطريّاً ينشأ عليه الفرد، حيث يشعر بأنّ هناك علاقة تربط بينه وبين هذه الأرض الّتي ينمو وينشأ ويدفأ في حضنها..
الوطن هو المكان الذي ولدت فيه، وعشت في كنفه، وكبرت وترعرعت على أرضه وتحت سمائه، وأكلت من خيراته وشربت من مياهه، وتنفّست هواءه، واحتميت بأحضانه، فالوطن هو الأمّ الرؤوم التي ترعانا ونرعاها..
الوطن كلمة بسيطة وحروفها قليلة، ولكنّها تحمل معانٍ عظيمة وكثيرة نعجز عن حصرها، فهو هويتنا التي نحملها ونفتخر بها، وهو المكان الذي نلجأ له ونحس بالأمان فيه، هو الحضن الدافئ الذي يجمعنا معاً، وهو نعمة من الله أنعمها علينا، فيجب علينا أن نحميه وندافع عنه ونفديه بروحنا وأغلى ما نملك ونعمل كيدٍ واحدة لبقائه آمناً وصامداً، سِلماً لمن سالمه، حرباً على من عاداه واعتدى عليه..
ونحن في هذه الأيام المباركة التي نعيش فيها ذكرى يوم توحيد هذا الكيان على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – اليوم الذي يتذكر فيه المواطن السعودي بكل فخر واعتزاز هذه المناسبة التاريخية السعيدة التي تم فيها جمع الشمل ولم شتات هذا الوطن الغالي المعطاء..
ذكرى توحيد وبناء المملكة العربية السعودية وجمع شملها تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ثم اطلاق اسم (المملكة العربية السعودية) على هذا الكيان الذي هو في وجدان كل مواطن سعودي له مكانة خاصة، وأهمية بالغة.. فذكرى التوحيد تحمل في طياتها عدة معان دينية ووطنية وأخلاقية واقتصادية وأمنية وثقافية واجتماعية وصحية..
وعاماً بعد عامٍ يستعيد أبناء الوطن ذكرى التوحيد، وهم يعيشون وقتاً جديداً ومسيرة حافلة من المنجزات التنموية والاقتصادية والمكانة السياسية الإقليمية والدولية حتى عدت المملكة بفضل الله تعالى ثم بحنكة وحكمة القيادة دولة مؤثرة في المحيط العالمي إلى جانب ما تنعم به من نعمة الأمن والاستقرار والبناء والتنمية والتطوير.. ناهيك عن مكانتها الإقليمية والعربية والإسلامية..
تَحلُّ هذه الذكرى المجيدة (87) على بلادنا المملكة العربية السعودية بعد انتهاء موسم حج ناجح أبهر الجميع وأسعد كل محب لدينه وأمته ووطنه بل كل محب للأمن والسلم والسلام في العالم أجمع..
بل تَحلُّ علينا ونحن في بداية عام هجري جديد هو عام (1439هـ) هذا العام الذي نأمل ونرجو من الله عز وجل أن يكون عاماً حافلاً بالانتصارات والانجازات والأمن والاستقرار على بلادنا وبلاد المسلمين كافة..
إن يومنا الوطني ـ أيها الأحبة ـ ليس كغيره من الأيام إنه يوم وحدة واتحاد وتأسيس وانتصار على الفرقة والخلاف والنزاع والمرض والجهل والفقر.. فضلاً عن أنه يوم انتصار على الغلو والتطرف ودحر للإرهاب والإفساد..
هذا اليوم يذكرنا بأمجادنا وببطولات آبائنا وأجدادنا الذين ضحوا بأرواحهم وأموالهم في سبيل الله لنشر عقيدة التوحيد والقضاء على البدع والخرافات وتأمين السّبل وتمكين الناس من أداء عباداتهم وفق ما جاء عن الكتاب والسنة وبأمن وأمان..
يومنا الوطني يذكرنا بماضينا التليد الحافل بالجد والاجتهاد والبذل والعطاء و التضحية والفداء لأن من لا ماضي له لا حاضر له..
يذكرنا بجهاد ذلك البطل الهمام والقائد المظفر والملك الحاذق الفطن صقر الجزيرة المؤسس الموحد لهذا الكيان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ وما قام به من كفاح مع نخبة من أبنائه وأهله وعشيرته وأحبته وقومه من أجل لم شتات هذا الوطن المترامي الأطراف المختلف التضاريس، المتنوع الوهاد والسّهاد.. رمز القوة والفتوة والعزّة والمنعة والإباء والكرم والبذل والوفاء والعطاء..
فهذه الذكرى الغالية تذكر كل مواطن من أبناء هذا الشعب الأبي الوفي بمدى التلاحم والحب والود المتبادل بين الراعي والرعية..
وبقدر ما تحمله ذكرى اليوم الوطني من استحضار لمسيرة الآباء والأجداد فإنها تحفزنا للحفاظ على مكتسبات وطننا والسعي بهمة عالية وعزيمة صادقة نحو تقدمه ونهضته ونمائه وتنميته وأمنه واستقراره ووحدته والالتفاف حول قيادتنا والتمسك بوحدتنا لأنها بعد توفيق الله ضمان لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا..
فوطننا سيبقى بإذن الله شامخاً أَبيّاً عزيزاً لا تهزه الرياح العاتية، ولا يؤثر فيه إرجاف المرجفين، وإرهاب المرهبين، وغلّ الحاسدين، وهياط الناعقين..
وإننا نغتنم هذه المناسبة الغالية مناسبة يوم الوطن المجيد السابع والثمانون ونحن نؤدي واجبنا تجاه وطننا الغالي بتوجيه من أولاة أمرنا ـ حفظهم الله ـ خارج البلاد كرئيس لأعرق الجامعات العالمية الرائدة الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد باكستان لنرفع لولاة أمرنا المخلصين وأعضاء حكومتهم الرشيدة والأسرة المالكة الكريمة وإلى كافة أبناء شعبنا الأبي الوفي أصالة عن نفسي ونيابة عن إخواني كافة منسوبي هذه الجامعة المباركة بأسمى آيات التهاني والتبريكات سائلين الله سبحانه وتعالى أن يعيد هذه المناسبة عليهم وعلينا جميعاً ونحن نرفل بثياب العزة والمتعة والنصر والتمكين والأمن والاستقرار..
ونسأل الله تعالى أن يحفظ علينا راعي مسيرتنا وقائد نهضتنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وأمد في عمرهما على طاعته، وجعلهما لنا ولهذا الوطن كافة ذخراً، ومتّعهما بالصحة والعافية والسعادة .. وأعاد هذه الذكرى الغالية علينا وعلى وطننا أزمنة مديدة وأعوامًا عديدة والجميع يرفل بالأمن والأمان والاستقرار والسلامة والإسلام والإيمان… آمين…
كتبه:
أ.د. أحمد بن يوسف الدريويش
رئيس الجامعة الإسلامية العالمية إسلام آباد – باكستان
1/1/1439هـ