رئيس الجامعة يلقي خطبة الجمعة في جامع الملك فيصل بإسلام آباد


ألقى معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش خطبة الجمعة بمسجد الملك فيصل في إسلام آباد بتاريخ 2/أغسطس/2018م الموافق 1/ذي الحجة/1440هـ..

وقد أوصى معالي رئيس الجامعة الحاضرين بتقوى الله سبحانه وتعالى ذاكراً إياهم بفضل أيام عشر من ذي الحجة حيث قال: إن ربنا سبحانه وتعالى أنعم علينا بفعل العبادات والطاعات، في مواسم الخيرات والبركات وإنّ من فضل الله تعالى أن جعل لعباده الصالحين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح، ومن أعظم هذه المواسم وأجلها عشر ذي الحجة.. روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم ولا احب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)..

كما ذكر معاليه بأن من أفضل الأعمال في هذه العشر حج بيت الله الحرام الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وأحد قواعده الأساسية، أوجبه الله على المسلمين بأوكد ألفاظ الوجوب وأبلغها،تأكيدا لحقه وتعظيما لحرمته لمن استطاع إليه سبيلا، فقال عز وجل:                              . (سورة آل عمران، الآية 97).

وإن لأعمال الحج وشعائره فوائدَ وَحِكَمًا عظيمةً ومَزايا جليلةً لو أدرككثير من المسلمين مغْزاها لتسابقوا إليها، فمن أول لحظة تجرد المؤمن من لباسه المخيط يتذكر مصيره في القبر والآخرة، وهو تذكير بلباس الأكفان بعد الرحيل، وإرشاد إلى التواضع ونبذ الكبرياء.. وأن هذه الدنيا فانية والآخرة هي الباقية؛ فلذا يجب علينا جميعًا الاستعداد ليوم الميعاد، ومحاسبة النفس قبل يوم الحساب..

مشيراً معاليه إلى أن من معاني الحج التوحيد الخالص لله تعالى حيث أن الحاج عندما يرفع صوته بالتلبية قائلاً: (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).. فشعار الحج هو توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبودية وحده لا شريك له من غير ما واسطة.. وافتتاح نسك الحج بهذه التلبية هو استجابة لأوامر الله تعالى، فعن جابر رضي الله عنه أنه قال: (أهلّ النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد)). أخرجه مسلم.. والتوحيد أمر مهم ولازم لكل عبادة.. وبه تستقيم العبادات والطاعات؛ إذ هو أساس الدين وأصله، وشرط قبول الأعمال.. ففي الحج تتجلى صورة التوحيد لدى المسلمين، فهم يتوافدون على الديار المقدسة ويجتمعون في أماكن محددة ويناجون رباً واحداً ملبين للنداء، يرفعون كلمة التوحيد ويعتصمون بحبل الله المتين وصدق الله العظيم:  ((إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ)). [الأنبياء:92].

كما أشار إلى أن من فضل الحج بأن فيه غسل أدران الذنوب والخطايا، وحط للأوزار والآثام، قال – عليه الصلاة والسلام – لعمرو بن العاص رضي الله عنه عند إسلامه: «أَما علمتَ أن الإسلام يهدِم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدِم ما كان قبلها، وأن الحج يهدِم ما كان قبله»؛ رواه مسلم. وقال – عليه الصلاة والسلام -: «من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجع كيوم ولدَته أمه»؛ متفق عليه. وثواب الحج جنات النعيم، كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك في ملأ من أصحابه الكرام: «الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ رواه مسلم..

وفي الحج إعلان عملي لمبدأ المساواة بين الناس: تتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج، وذلك في صعيد عرفات حينما يقف الناس موقفاً واحداً لا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقوى، يقول الحق تبارك وتعالى مؤكداً هذا المنهج السامي في الإسلام: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ)) [الحجرات:13]، ويقول تعالى: ((سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ)).[الحج:25].

وقد ذكر رئيس الجامعة في خطبته جهود المملكة العربية السعودية قيادةً وشعباً في إنجاح موسم الحج فقال: بأن الحج مؤتمر سنوي للمسلمين يتدارسون فيه شئونهم وتجتمع فيه كلمتهم ويحنو فيه غنيهم على فقيرهم وتظهر فيه الوحدة الكبرى للمسلمين. والذي أدى فريضة الحج في السنوات الأخيرة يلمس هذه الأهداف ماثلة للعيان فكم من أموال بذلت في سبيل الله وكم من تجارب تمت الاستفادة منها وكم من مؤتمرات تقام في أيام الحج حيث يتداول فيها المجتمعون ما يهم المسلمين في حاضرهم ومستقبلهم، وإذا كان هذا تحقق فعلاً بفضل من الله ثم بجهود جبارة تبذل من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز-حفظه الله تعالى- كل ذلك لتأمين الحجاج والمعتمرين والزوار ولراحتهم.. ولا يخفى على ذي لب من المسلمين الجهود الجبارة والأموال الطائلة التي تنفق من قبل المملكة العربية السعودية حرسها الله.. كما لا يخفى على الجميع كثرة الأعداد القادمة لأداء هذه الشعيرة المباركة عامًا بعد عام الأمر الذي معه يجعل القائمين على الحرمين الشريفين يسعون جاهدين إلى تقديم أفضل الخدمات وتشييد أضخم المشروعات العملاقة ويتسابقون إلى تيسير أمور الحجاج والمعتمرين والزائرين حتى يؤدوا نسكهم على أتم وجه وأكمل حال..  وبطمأنينة وأمن وسلامة بعيدًا عن الإيذاء لأنفسهم أو لإخوانهم.. والجميع يدرك ما يعيشه الحرم المكي بخاصة هذه الأيام من عناية ورعاية وتوسعة لم يعهد لها التاريخ مثيلاً بتوجيه وإشراف ومتابعة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبد العزيز آل سعود ــ حفظه الله ورعاه ــ وأطال في عمره على طاعته.. نَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ أن يجعل هذه الخدمات المباركة في ميزان حسناتهم وأن يرفع بها قدرهم إنه ولي ذلك والقادر عليه..

وفي الخطبة الثانية ذكر رئيس الجامعة  الدروس المستفادة من الحج حيث قال: ما أحوجنا أن نستلهم الدروس والعبر والحكم والأسرار من هذه الفريضة، وقد جمعَ اللهُ تعالى للحجِّ حُرمتين: حرمةَ الزمانِ، وحرمةَ المكان، ليقوى الشعورُ بحرمةِ هذا الركن العظيم مِن أركان الدِّين، وليكون الحاجُ في جميع أحوالِه مستشعرًا قُدسيةَ الزمان والمكان، ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ التوبة: 36.

وأما حُرمةُ المكان، فقد جاء أيضًا في القرآن: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ النمل: 91.

وعن أبي بكْرةَ رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ ذُو الْـحَجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ. فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

وبعد أيها الإخوة الكرام، فهذا الموسم العظيم، موسم تجارة مع الله، لا ينبغي بحال من الأحوال ضياعه بالقيل والقال؛ فإن الخسران العظيم أن يأتي مثل هذا الموسم الجليل، ثم لا يكون للمسلم فيه حظٌّ ولا نصيب عياذًا بالله من كل ذلك..

وفي نهاية الخطبة دعا معالي رئيس الجامعة الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الجميع الأعمال الصالحة وأن يحفظ العباد والبلاد من كل شر ومكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه..