برعاية كريمة من معالي رئيس الجامعة معهد إقبال الدولي للحوار والبحوث يقيم مأدبة إفطار تكريماً للعلماء من الطوائف المختلفة..

تحت رعاية كريمة من معالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد الأستاذ الدكتور/ أحمد بن يوسف الدريويش أقام معهد إقبال الدولي للحوار والبحوث يوم الخميس 8/رمضان/1439هـ الموافق 24/5/2018م مأدبة إفطار كبرى في بيت الضيافة التابع لمعهد إقبال تكريماً وتقديراً للعلماء والدعاة والصحفيين ورجال الإعلام من الأقاليم المختلفة في باكستان..

وبعد تناول الإفطار الجماعي المعد بهذا الخصوص ألقى معالي رئيس الجامعة البروفيسور/ أحمد بن يوسف الدريويش كلمة توجيهية للعلماء والدعاة وجميع المشاركين في برنامج الإفطار شكر فيها جميع الحاضرين والمنظمين لهذا البرنامج الناجح الذي يجمع العلماء من الطوائف المختلفة في باكستان وبين معاليه وسطية الإسلام في عبادة الصيام.. وأن الوسطية من الموضوعات المهمة جداً لا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه الفتن والطائفية وأضحى المسلمون يواجهون فيه تحديات كبيرة وفتن عارمة أدت إلى تفرقهم وتنازعهم وخلافهم وشقاقهم..

ولعل السبب الرئيس في هذا يرجع إلى ابتعادهم عن دين الله الحق ومنهجهم المستقيم وتنفيذ شرعه وتطبيق أحكامه وتعاليمه والتزام وسطية الإسلام واعتداله وصراطه القويم الذي ارتضاه الله لعباده المخلصين أجمعين. قال تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)). سورة الأنعام، الآية: 153..

مبيناً معاليه بأن التزام الوسطية ووسائلها عصمة بتوفيق الله وعونه من الفتن والانحراف عن منهج الله الذي ارتضاه لعباده، وفي هذا تجنب للأمة من التشرذم والتشتت والتفرق والتحزب بل من الغلو والتطرف والإفراط.. ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ)). سورة الأنبياء، الآية: 92.

مضيفاً معاليه بأن دين الإسلام هو دين الوسطية, والاعتدال, والقصد, قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)).

فوسطية الإسلام قد شملته كله جملةً وتفصيلاً ولم تختص بجانبٍ دون آخر, ويتجلى ذلك في عقائده, وعباداته ,ومعاملاته, وآدابه.. ومن أجّل هذه العبادات, عبادة الصيام؛ التي شُرعت من أجل تهذيب النفس والوصول بها إلى مرتبة التقوى, ولم يكن القصد منها التعسير والمشقة على العباد بالإمساك عن شهوتي البطن والفرج, ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).

مبيناً معاليه معاني الوسطية في شهر رمضان وبأنه شهر يتدرب فيه المسلم على هذا المنهج القويم، في التوازن والاعتدال وعدم الإسراف، على عكس ما نراه اليوم من كثير من المسلمين، إذ يجعلون من هذا الشهر المبارك شهراً للخروج عن منهج الله في الاعتدال، وذلك في الإسراف في الطعام والشراب، والاستهلاك للحاجات الضرورية وغير الضرورية، ومما لا شك فيه أن زيادة الاستهلاك تعني: مجاوزة الحد المباح إلى المحظور، الذي حرمه الإسلام قال تعالى: {والَّذِينَ إذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} الفرقان 67، أي حداً وسطاً، ويقول سبحانه: {وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (31)}الأعراف 31،

ذاكراً معاليه ملامح عديدة تتجلى منها وسطية الإسلام في الصيام:

الأول: إن الصوم شهر واحد فقط من مجموع اثني عشر شهراً وكذلك هو الإمساك من الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.. وهذا ما يظهر فيه جلياً وسطية الإسلام حيث شرع ما يستطيع الإنسان القيام به..

الثاني: تناول الطعام وقت السحر حيث أجمع أهل العلم على استحباب السحور وأن فيه البركة ويتضح هذا من أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسحور متضمناً هذه موضحا هذه الحكمة والغاية بقوله:”…..فإن في السحور بركة”. والبركة أصلها الزيادة وكثرة الخير؛ وذلك لما تسببه أكلة السحور من قوة للصائم, وتنشيط له، زيادةً على ما فيها من الأجر والثواب..

الثالث: يقول ابن عثيمين -رحمه الله-:”ومن آداب الصيام المستحبةِ تعجيلُ الفُطور إذا تحقق غروبُ الشَّمْسِ بمُشَاهدتِها أو غَلَب على ظنِّه الغروبُ بِخبرٍ موثوقٍ به بأذانٍ أو غيرِه، فعن سَهْلِ بنِ سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا يَزالُ الناسُ بخيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ» .

والحكمة في تأخير السحور وتعجيل الفطر, ألا يزاد في النهار من الليل, ويطول الوقت الصيام وهذا فيه رفق بالصائمين, وأقوى لهم على العبادة, كما أنه إتباع السنة, و تحصيل البركة, وتتحقق المخالفة لأهل الكتاب.

الرابع: ألا يتقدم العبد رمضان بصوم يومٍ أو يومين: فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-” لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم” , قال الحافظ في فتح الباري:” أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له, فإن صومه مرتبط بالرؤية, فلا حاجة إلى التكلف ….” .

ولعل الحكمة من ذلك أولاً: تحقيق الوسطية والقصد في العبادة, والبعد عن المغالاة والتنطع, كما في ذلك أيضاً من الاستعداد لهذا الشهر والتشوق له.

الملمح الخامس:

ترك قول الزور والعمل به, والإمساك عن السب الشتم والسب:

وفي هذا يقول: النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: “منْ لَم يَدعْ قول الزورِ والعملَ به والجَهلَ فليس لله حاجةٌ في أنَّ يَدعَ طعامَه وشرابَه”. , فإن الصائمُ  إذا كان متلبساً بالصيامِ فإنَّه كلَّما همَّ بمعصيةٍ تَذكَّر أنَّه صائمٌ فامتَنعَ عنها. ولهذا أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم الصائمَ أنْ يقولَ لمَنْ سابَّه أو شاتَمَه: إنِي امْرؤٌ صائمٌ، كما ورد في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة:”  إذا أصبح أحدكم يوما صائما ، فلا يرفث ولا يجهل. فإن امرؤ شاتمه أو قاتله ، فليقل : إني صائم . إني صائم ”  ,  تَنْبيهاً له على أنَّ الصائمَ مأمورٌ بالإِمساك عن السَّبِّ والشَّتْمِ، وتذكيراً لنفْسِه بأنه متلبسٌ بالصيام فيمتنعُ عن المُقابَلةِ بالسبِّ والشتم.

وهنا تتضح وتتجلى وسطية الإسلام, وعظمة أحكامه في التربية الأخلاقية الفاضلة؛ حيث لم يترك للنفس الحبل على الغارب؛ وبيّن أنه لا يتم صوم  صائم؛  إلا بضبط النفس, وحفظ اللسان, وكبح جماح الغضب.

وأضاف معاليه بأن هذه بعض من ملامح وسطية الإسلام وقصده واعتداله في هذه الشعيرة المباركة, سواء أكان ذلك من حيث عدته أو وقته, أو كيفيته، أو الآداب المتعلقة به.. فينبغي لنا جميعاً تطبيق ذلك وبيان هذا للناس لكي يعرفوا عظمة هذا الدين القويم..

كما نبه معاليه الجميع في ختام كلمته توجيه الأبناء والبنات لمنهج التصفية والتربية حيث نصفي عقائدنا ومناهجنا وسلوكياتنا ونجعلها وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح ثم ننتقل إلى التربية فنربي الأبناء على الوسطية والاعتدال وعلى نبذ الغلو والتطرف والتشدد والخروج عن دين الله القويم..

مكرراً معاليه شكره وتقديره للجميع على هذا الاهتمام وخاصة لمعهد إقبال على ترتيب وتنظيم هذا البرنامج المميز..

ثم بعد ذلك تناول الجميع طعام العشاء المعد بهذه المناسبة..